وإنما شرعت لتمييز العبادة من العادة، كالغسل يكون للجنابة تنظيفا وعبادة، أو لتمييز العبادات بعضها عن بعض كالتيمم يكون للجنابة والوضوء؛ وصورتهما واحدة، والصلاة تكون فرضا ونفلا، وكذلك الصوم والحج وغير ذلك.
قال ابن حجر: "فلا تجب في عبادة لا تكون عادة أولا تلتبس بغيرها كالإيمان بالله، والمعرفة به، والخوف والرجاء، والنية، والقراءة والأذكار، حتى خطبة الجمعة على الأوجه، لتمييزها بصورتها مع لزوم التسلسل أو الدور لو اتفقت النية على نية، ولزوم التناقض المحال لو توقفت المعرفة عليها، إذ هي قصد المنوي؛ ولا يقصد إلا ما يعرف، فيلزم أن يكون الإنسان عارفا بالله تعالى قبل معرفته به، فيكون عارفا به غير عارف به في حال واحدة، إلى أن قال: ولا تجب في المتروك كترك الزنا إلا لحصول ثواب الترك، لأن القصد اجتناب المنهي وهو حاصل بانتفاء وجوده، وإن لم تكن نية. إلى آخره، وكذا لا تجب في إزالة النجاسات، ورد المغصوب والعواري والودائع وقضاء النفقات، وغير ذلك مما هو معقول المعنى، إلا إذا أراد حصول الثواب"، والله أعلم.
قول: "الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى". هذا الحديث متفق على صحته، وهو مجمع على عظم موقعه وجلالته وكثرة فوائده، وأنه أصل عظيم من أصول الدين.
<1/6> قال أبو عبيد: "ليس في الأحاديث أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه"، ومن ثم قال أبو داود: "إنه نصف العلم، ووجهه أنه أصل أعمال القلب والطاعة المتعلقة بها، وعليه مدارها"، فهو قاعدة عظيمة للدين، ومن ثم كان أصلا في الإخلاص أيضا، وأعمال القلب تقابل أعمال الجوارح بل تلك أجل وأفضل. بل هي الأصل فكان نصفا، بل أعظم النصفين كما تقرر.
Page 5