34

Hashiyat Ibn Abidin

حاشية ابن عابدين

Publisher

شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده

Edition Number

الثانية

Publication Year

1386 AH

Publisher Location

مصر

وَتَعَلُّمُ الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنْ تَعَلُّمِ بَاقِي الْقُرْآنِ وَجَمِيعُ الْفِقْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَغَيْرِهِ مِنْ مُحَمَّدٍ: لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْرَفَ بِالشِّعْرِ وَالنَّحْوِ؛ لِأَنَّ آخِرَ أَمْرِهِ إلَى الْمَسْأَلَةِ وَتَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ، وَلَا بِالْحِسَابِ لِأَنَّ آخِرَ أَمْرِهِ إلَى مِسَاحَةِ الْأَرَضِينَ، وَلَا بِالتَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ آخِرَ أَمْرِهِ إلَى التَّذْكِيرِ وَالْقَصَصِ بَلْ يَكُونُ عِلْمُهُ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْأَحْكَامِ، كَمَا قِيلَ: إذَا مَا اعْتَزَّ ذُو عِلْمٍ بِعِلْمٍ ... فَعِلْمُ الْفِقْهِ أَوْلَى بِاعْتِزَازِ فَكَمْ طِيبٍ يَفُوحُ وَلَا كَمِسْكٍ ... وَكَمْ طَيْرٍ يَطِيرُ وَلَا كَبَازِي وَقَدْ مَدَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَسْمِيَتِهِ خَيْرًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى - ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩]- وَقَدْ فَسَّرَ الْحِكْمَةَ زُمْرَةُ أَرْبَابِ التَّفْسِيرِ بِعِلْمِ الْفُرُوعِ الَّذِي هُوَ عِلْمُ الْفِقْهِ وَمِنْ هُنَا قِيلَ: وَخَيْرُ عُلُومٍ عِلْمُ فِقْهٍ لِأَنَّهُ ... يَكُونُ إلَى كُلِّ الْعُلُومِ تَوَسُّلَا فَإِنَّ فَقِيهًا وَاحِدًا مُتَوَرِّعًا ... عَلَى أَلْفِ ذِي زُهْدٍ تَفَضَّلَ وَاعْتَلَى ــ [رد المحتار] عَيْنٍ. (قَوْلُهُ: وَتَعَلُّمُ الْفِقْهِ إلَخْ) فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَعَلَّمَ بَعْضَ الْقُرْآنِ وَوَجَدَ فَرَاغًا، فَالْأَفْضَلُ الِاشْتِغَالُ بِالْفِقْهِ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَتَعَلُّمُ مَا لَا بُدَّ مِنْ الْفِقْهِ فَرْضُ عَيْنٍ. قَالَ فِي الْخِزَانَةِ: وَجَمِيعُ الْفِقْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ: قَالَ فِي الْمَنَاقِبِ: عَمِلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِائَتَيْ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حِفْظِهَا. اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَجَمِيعُ الْفِقْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ أَنَّهُ كُلَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ، لَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِمَجْمُوعِ النَّاسِ فَلَا يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يُفْرَضُ عَيْنًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَحْتَاجُهُ؛ لِأَنَّ تَعَلُّمَ الرَّجُلِ مَسَائِلَ الْحَيْضِ وَتَعَلُّمَ الْفَقِيرِ مَسَائِلَ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَمِثْلُهُ حِفْظُ مَا زَادَ عَلَى مَا يَكْفِيهِ لِلصَّلَاةِ، نَعَمْ قَدْ يُقَالُ تَعَلُّمُ بَاقِي الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنْ تَعَلُّمِ بَاقِي الْقُرْآنِ لِكَثْرَةِ حَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَيْهِ فِي عِبَادَاتِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ وَقِلَّةِ الْفُقَهَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَفَظَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُعْرَفَ) أَيْ يُشْتَهَرَ بِهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعِينُهُ عَلَى الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَا الْفِقْهِ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ عُمُرَهُ فِي غَيْرِ الْأَهَمِّ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ الْوَرْدِيِّ: وَالْعُمُرُ عَنْ تَحْصِيلِ كُلِّ عِلْمٍ ... يَقْصُرُ فَابْدَأْ مِنْهُ بِالْأَهَمِّ وَذَلِكَ الْفِقْهُ فَإِنَّ مِنْهُ ... مَا لَا غِنَى فِي كُلِّ حَالٍ عَنْهُ (قَوْلُهُ: إلَى الْمَسْأَلَةِ) أَيْ سُؤَالِ النَّاسِ بِأَنْ يَمْدَحَهُمْ بِشِعْرِهِ فَيُعْطُونَهُ دَفْعًا لِشَرِّهِ وَخَوْفًا مِنْ هَجْوِهِ وَهَجْرِهِ، وَقَوْلُهُ وَتَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ: أَيْ تَعْلِيمُهُمْ النَّحْوَ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ لِمَا اُشْتُهِرَ أَنَّ النَّحْوَ عِلْمُ الصِّبْيَانِ إذْ قَلَّمَا يَتَعَلَّمُهُ الْكَبِيرُ، وَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. (قَوْلُهُ: التَّذْكِيرِ) أَيْ الْوَعْظِ. (قَوْلُهُ: وَالْقَصَصِ) الْأَنْسَبُ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ الْقَافِ لِيَكُونَ عَطْفُهُ عَلَى التَّذْكِيرِ عَطْفَ مَصْدَرٍ عَلَى مَصْدَرٍ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِهَا جَمْعُ قِصَّةٍ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: بَلْ يَكُونُ عِلْمُهُ) أَيْ الَّذِي يُعْرَفُ وَيُشْتَهَرُ بِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا قِيلَ) أَيْ أَقُولُ ذَلِكَ مُمَاثِلًا لِمَا قِيلَ أَوْ لِأَجْلِ مَا قِيلَ، فَالْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ أَوْ لِلتَّعْلِيلِ. (قَوْلُهُ: بِاعْتِزَازٍ) أَيْ اعْتِزَازِ صَاحِبِهِ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا كَمِسْكٍ) الْوَاوُ إمَّا لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ: أَيْ لَا كَعَنْبَرٍ وَلَا كَمِسْكٍ، وَنُكْتَةُ الْحَذْفِ الْمُبَالَغَةُ لِتَذْهَبَ النَّفْسُ كُلَّ مَذْهَبٍ مُمْكِنٍ، أَوْ لِلْحَالِ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ: أَيْ وَلَا يَفُوحُ كَمِسْكٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا كَبَازٍ) يُسْتَعْمَلُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَ الزَّايِ وَبِدُونِهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ. (قَوْلُهُ: زُمْرَةُ) بِالضَّمِّ: الْفَوْجُ وَالْجَمَاعَةُ فِي تَفْرِقَةِ قَامُوسٍ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ هُنَا) أَيْ مِنْ أَجْلِ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ مَدْحِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ. (قَوْلُهُ: إلَى كُلِّ الْعُلُومِ) كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ النُّسَخِ، وَكَأَنَّ نُسْخَةَ ط إلَى كُلِّ الْمَعَالِي حَيْثُ قَالَ مُتَعَلِّقٌ بِتَوَسُّلًا. وَالْمَعَالِي: الْمَرَاتِبُ الْعَالِيَةُ جَمْعُ مَعْلَاةٍ، مَحَلُّ الْعُلُوِّ. اهـ. وَالتَّوَسُّلُ: التَّقَرُّبُ أَيْ ذَا تَوَسُّلٍ إلَى الْمَعَالِي أَوْ إلَى

1 / 39