35

Al-Adawi's Commentary on the Sufficiency of the Aspiring Student

حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني

Investigator

يوسف الشيخ محمد البقاعي

Publisher

دار الفكر

Edition Number

الأولى

Publisher Location

بيروت

تُرَاضُ لِلتَّعْلِيمِ لِيَتَأَتَّى مِنْهَا الْمُرَادُ، وَإِذَا لَمْ تَتَعَلَّمْ كَانَتْ جَمُوحًا شَمُوصًا لَا تَنْقَادُ، وَقَوْلُهُ: (وَمَا عَلَيْهِمْ أَنْ تَعْتَقِدَهُ مِنْ الدِّينِ قُلُوبُهُمْ) هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ مَعَالِمُ الدِّيَانَةِ وَقَوْلِهِ: (وَتَعْمَلُ بِهِ جَوَارِحُهُمْ) هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ: حُدُودُ الشَّرِيعَةِ كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَوْلَى مَا عُنِيَ بِهِ النَّاصِحُونَ إلَى آخِرِهِ بِحَدِيثَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَأَنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (رُوِيَ أَنَّ تَعْلِيمَ الصِّغَارِ لِكِتَابِ اللَّهِ يُطْفِئُ غَضَبَ اللَّهِ) الْإِطْفَاءُ الْإِخْمَادُ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ رَدُّ الْعَذَابِ الْوَاقِعِ بِالْغَضَبِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا لَازِمُهُ وَهِيَ الْإِرَادَةُ إذْ مَعْنَاهَا لُغَةً غَلَيَانُ الدَّمِ، وَهُوَ يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ ــ [حاشية العدوي] تَنْقَادُ طِبَاعُهُمْ إلَى الدِّينِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمُوهُ. [قَوْلُهُ: لِلْعَمَلِ بِذَلِكَ] أَظْهَرَ فِي مَوْضِعِ الضَّمِيرِ وَالْأَصْلُ بِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَرْعِيَّةِ. [قَوْلُهُ: لِلتَّعْلِيمِ] الْمُنَاسِبُ لِلتَّعَلُّمِ؛ لِأَنَّهُ وَصْفُ الدَّابَّةِ لَا التَّعْلِيمِ أَيْ الَّتِي تُذَلَّلُ لِتَعَلُّمِ الطَّحْنِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ: الْمُرَادُ أَيْ الطَّحْنُ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: جَمُوحًا] بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ مُسْتَعْصِيَةً عَلَيْهِ فَتَغْلِبُهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: شَمُوصًا] فِي الْمِصْبَاحِ مَا يُفِيدُ أَنَّ شَمُوصًا مَعْنَاهُ سَائِقًا سَوْقًا عَنِيفًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ أَوْصَافِ الشَّخْصِ لَا الدَّابَّةِ كَمَا هُوَ مُفَادُ الشَّارِحِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ تَسَمَّحَ فِي وَصْفِ الدَّابَّةِ بِوَصْفِ الشَّخْصِ فَأَرَادَ مِنْهُ مَا أَرَادَ مِنْ جَمُوحًا مِنْ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فِيهِ وَهُوَ الِاسْتِعْصَاءُ عَلَيْهِ. فَقَوْلُهُ: لَا تَنْقَادُ تَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ مِنْهُمَا أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ جَمُوحًا وَشَمُوصًا أَنَّهَا لَا تَنْقَادُ. [قَوْلُهُ: كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا إلَخْ] أَيْ بِالْمُرَادِفِ وَحَلَّهُ بَعْضٌ بِمَا يَدْفَعُ التَّكْرَارَ فَحَمَلَ قَوْلَهُ: مَعَالِمُ الدِّيَانَةِ عَلَى قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسِ، وَحَمَلَ مَا تَعْتَقِدُهُ مِنْ الدِّينِ قُلُوبُهُمْ عَلَى عَقَائِدِ الْإِيمَانِ، وَحَمَلَ حُدُودَ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْمَنْهِيَّاتِ مِنْ نَحْوِ الزِّنَا وَالْقَتْلِ، وَمَا تَعْمَلُ بِهِ جَوَارِحُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهَا اهـ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّكْرَارَ وَجَوَابُهُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَجِيءُ عَلَى جَعْلِ مَا فِي قَوْلِهِ: وَمَا عَلَيْهِمْ مَوْصُولَةً مَعْطُوفَةً عَلَى مَعَالِمِ الدِّيَانَةِ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَيْهِ وَتَنْبِيهُهُمْ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ تَعْتَقِدَهُ قُلُوبُهُمْ وَتَعْمَلَ بِهِ جَوَارِحُهُمْ. وَقَوْلُهُ: مِنْ الدِّينِ بَيَانٌ لِلشَّيْءِ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: أَنْ تَعْتَقِدَهُ أَوْ تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ: قُلُوبُهُمْ، وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ تَعْتَقِدُهُ كَمَا يُوهِمُهُ تَوَسُّطُهُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَفَاعِلِهِ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ، وَأَمَّا إذَا جُعِلَتْ اسْتِفْهَامِيَّةً وَالتَّقْدِيرُ أَيْ مَشَقَّةٌ تَلْحَقُهُمْ فِيهِ مَعَ كَبِيرِ فَائِدَتِهِ وَهِيَ الرُّسُوخُ فِي الْقَلْبِ وَالرِّيَاضَةُ وَالتَّأَنُّسُ وَحُصُولُ شَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَا تَكْرَارَ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَدَلَّ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْخَيْرِ وَهُوَ الْقُرْآنُ لَا كُلُّ أَفْرَادِهِ إذْ مِنْ أَفْرَادِهِ الْعِلْمُ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَذَكَرَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ: لِيَرْسَخَ فِيهَا، أَيْ تَعْلِيمُ الصِّغَارِ يُفِيدُ الرُّسُوخَ وَالثُّبُوتَ؛ لِأَنَّ تَعْلِيمَ الشَّيْءِ فِي الصِّغَرِ إلَخْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَنَّ تَعْلِيمَ الصِّغَارِ إلَخْ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ أَوْلَى مَا عُنِيَ إلَخْ أَيْ إنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَعْلِيمَ الصِّغَارِ يُطْفِئُ غَضَبَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. [قَوْلُهُ: الْإِطْفَاءُ وَالْإِخْمَادُ] أَيْ الَّذِي هُوَ تَسْكِينُ لَهَبِ النَّارِ فَهُوَ مِنْ مُلَائِمَاتِ النَّارِ. [قَوْلُهُ: رَدُّ الْعَذَابِ] الْمُنَاسِبُ السُّكُوتُ عَلَى قَوْلِهِ رَدُّ أَيْ فَأَرَادَ بِالْإِطْفَاءِ الرَّدَّ وَأَرَادَ بِالْغَضَبِ الْعَذَابَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، فَإِنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِالْغَضَبِ سَبَبِيَّةٌ وَالْمُرَادُ رَدُّ دَوَامِ الْعَذَابِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاقِعِ الْمُتَوَقَّعُ، وَأَلْجَأَنَا إلَى ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا لَازِمُهُ] أَيْ أَنَّ الْغَضَبَ الْمُضَافَ لِلْبَارِئِ عِبَارَةٌ عَنْ إرَادَةِ الِانْتِقَامِ اللَّازِمَةِ لِمَعْنَاهُ لُغَةً الَّذِي هُوَ غَلَيَانُ الدَّمِ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى الْبَارِئِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْغَضَبَ الْمُضَافَ لِلْبَارِئِ عِبَارَةٌ عَنْ إرَادَةِ الِانْتِقَامِ الَّتِي هِيَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ، ثُمَّ تَجَوَّزَ بِهَا أَيْضًا عَنْ الْعَذَابِ، أَيْ فَالْغَضَبُ فِي الْمُصَنَّفِ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَذَابِ مَجَازٌ عَنْ إرَادَةِ الِانْتِقَامِ الَّتِي هِيَ مَجَازٌ عَنْ غَلَيَانِ الدَّمِ وَعَلَاقَةُ الْأَوَّلِ السَّبَبِيَّةُ وَالثَّانِي اللُّزُومُ. وَقَوْلُهُ: هُنَا أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ لِلْبَارِئِ لَا مِنْ حَيْثُ الْمُرَادُ مِنْ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْغَضَبِ الْعَذَابُ وَهُوَ غَيْرُ الْإِرَادَةِ هَذَا غَايَةُ مَا يُتَكَلَّفُ فِي تَصْحِيحِ عِبَارَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِرَادَةُ إلَخْ] هَذَا إذَا جُعِلَ صِفَةَ ذَاتٍ، وَإِنْ جُعِلَ صِفَةَ فِعْل فَيُفَسَّرُ

1 / 37