Hashiya Cala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Genres
هذا القبيل فإنه لا يصح في الشرع أن يحكم على أحد بأنه مؤمن وليس بمسلم وبالعكس يؤيده قوله تعالى: فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين [الذاريات: 35، 36] قوله: (وقيل: الذين أنعمت عليهم الأنبياء) عطف على ما قبله من حيث المعنى فإن ما قبله يدل على أن المراد بهم المؤمنون بناء على أن النعمة المدلول عليها بقوله تعالى: أنعمت عليهم ذكرت مطلقا والمطلق ينصرف إلى الكمال والإيمان أكمل النعم وأجلها لأن نعمة الدنيا ليست بمرادة وهو ظاهر وما سوى الإيمان من النعم الدينية لا تعتبر بدون الإيمان بخلاف نعمة الإيمان فإنها معتبرة غير مشروطة بسائر النعم الدينية فكانت نعمة الإيمان أكمل النعم فينصرف إليها المطلق المدلول عليه بقوله: أنعمت عليهم فيكون المراد بقوله: الذين أنعمت عليهم المؤمنين. ومن قال المراد بهم الأنبياء بنى كلامه على أن النبوة أجل ما أنعم الله تعالى به على عباده وأكمله فينصرف إليها النعمة المطلقة. قوله:
(وقيل أصحاب موسى وعيسى) لأن الصراط المستقيم الذي يطلبه كل أحد من آحاد هذه الأمة ينبغي أن يكون صراط من قبلهم من أصحاب الصراط السوي وهم أصحاب موسى وعيسى قبل أن يحرفوا التوراة والإنجيل وقبل أن يغيروا دينهم وقبل أن تنسخ شريعتهم وهو ليس من قبيل اللف والنشر لوجود كل واحد من التحريف والنسخ في كل واحد من الفريقين. قوله: (والإنعام إيصال النعمة) يعني أن بناء أنعم للدلالة على جعل مفعوله صاحب ما صيغ منه هذا البناء وهو النعمة فحقه أن يتعدى بنفسه لكنه ضمن معنى تفضل فعدى تعديته ثم إن متعلق الإنعام لا بد أن يكون من العقلاء فلا يقال أنعم زيد على فرسه وناقته. قوله:
(وهي في الأصل الحالة التي يستلذها الإنسان) يعني أن النعمة في الأصل من نعم عيشه أي صار ناعما طيبا لذيذا بنى للحالة التي يستلذها الإنسان من الأمور الملائمة المؤدية لتلك الحالة على طريق إطلاق اسم المسبب على السبب. ولا يخفى أن حق العبارة أن يقال على ما يستلذه لأن صلة الإطلاق في المشهور إنما هي كلمة «على» دون اللام إلا أن الحروف الجارة كثيرا ما يوضع بعضها مقام بعض.
قوله: (من النعمة وهي اللين) خبر بعد خبر لقوله: «وهي» أي النعمة بكسر النون مأخوذة من النعمة بفتح النون، يقال: نعم الشيء نعومة ونعمة أي صار ناعما لينا ثم كسرت النون فأطلقت الحالة الناعمة وطيب العيش على سببها. وتخصيص النعمة بنعمة الإسلام على ما اختاره المصنف لا ينافي الإطلاق المستفاد من حذف مفعول أنعمت عليهم لقصد التعميم والشمول لأن نعمة الإسلام لاشتمالها على سعادة النشأتين هي النعمة كل النعمة فمن فاز بها فقد فاز بالنعم كلها، والنعمة الدنيوية الموهبية ما لا مدخل لكسب العبد في حصولها له
Page 98