Hashiya Cala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Genres
والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل، ومنه طريق معبد أي مذلل، وثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة، ولذلك لا تستعمل إلا في الخضوع لله تعالى. والاستعانة طلب المعونة وهي إما ضرورية أو غير ضرورية، والضرورية ما لا يتأتى الفعل بدونه كاقتدار وقرىء أيضا هياك بقلب الهمزة هاء والياء مشددة وبهمزة مفتوحة أو بها. وفتح الهاء وكسرها لغتان قال الشاعر:
فهياك والأمر الذي أن ترحبت ... موارده ضاقت عليك مصادره
أي اتق نفسك أن تتعرض للأمر الذي إن توسعت مواضع وروده ودخوله ضاقت عليك مواضع الصدور والرجوع عنه. والمراد الحث على التدبر في عواقب الأمور قبل الشروع فيها. قوله: (والعبادة أقصى غاية الخضوع) غاية الشيء ليس لها حدود ونهايات فلا وجه لإضافة أقصى إليها. قيل: أقصى غايات الخضوع والعبادة هي الطاعة مع التذلل، والخضوع الذل، والتعبيد التذليل يقال: طريق معبد إذا كان مذللا بالأقدام. قوله: (إذا كان في غاية الصفاقة) ثخينا قال الشيخ: وهو ضد النحافة والضعف وقال الجوهري: العبد بالتحريك الغضب والأنف والعبدة مثل الأنفة وقد عبد أي أنف ويقال أيضا: ناقة ذات عبدة أي ذات قوة وسمن ولك عبدة أي قوة. إلى هنا كلامه. قوله: (ولذلك) أي ولكون العبادة أقصى غاية الخضوع لا تستعمل شرعا إلا في الخضوع لله تعالى ومن استعملها في غيره تعالى فقد ارتكب الحرام، والاستعانة طلب المعونة وهو مصدر بمعنى العون والإعانة. وقسم المعونة بهذا المعنى إلى ضرورية وهي ما لا يتأتى الفعل بدونه وتسمى في أصول الفقه بالقدرة الممكنة وهى أدنى ما يتمكن به المرء من إيجاد الفعل، سميت ضرورية لتوقف صدور الفعل عليها بالضرورة وهي المسماة في علم الكلام بالاستطاعة بمعنى سلامة الأسباب والآلات، والمعونة الضرورية بهذا المعنى في مناط التكليف اتفاقا أما عند من لا يجوز التكليف بما لا يطاق نحو الماتريدية والمعتزلة فظاهر، وأما من يجوزه كالأشاعرة فكأنهم إنما قالوا بالجواز فقط لا بالوقوع. وإلى غير ضرورية وهي المسماة في كتب الأصول بالقدرة الميسرة وهي ما يتمكن المكلف من إيجاد الفعل بدونه لكن لا يحصل اليسر إلا به، وهذا القسم من المعونة الغير الضرورية لا يتوقف عليه صحة التكليف بل يتوقف عليه يسره فقط فاشتراط الواجبات المالية إنما هو للتيسير لا لتوقف أصل التكليف عليها وإلا لما كلف المريض بالصلاة فقوله:
«لا يتوقف عليه صحة التكليف» أراد بها الصحة العقلية وإلا فالصحة الشرعية لبعض التكاليف تتوقف على هذا القسم من المعونة كالتكليف بأكثر الواجبات المالية.
قوله: (والضرورية ما لا يتأتى الفعل بدونه كاقتدار الفاعل) أي كإعطاء الاقتدار له فإنه
Page 85