379

Ḥāshiyat Muḥyī al-Dīn-zāda ʿalā tafsīr al-Qāḍī al-Bayḍāwī

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

Genres

وأنتم تعلمون (22) حال من ضمير فلا تجعلوا ومفعول تعلمون مطروح أي وحالكم أنكم من أهل العلم والنظر وإصابة الرأي فلو تأملتم أدنى تأمل اضطر عقلكم إلى إثبات موجد للممكنات متفرد بوجوب الذات متعال عن مشابهة المخلوقات، أو منوي وهو أنها لا تماثله ولا تقدر على مثل ما يفعله كقوله تعالى: هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء [الروم: 40]. وعلى هذا فالمقصود منه التوبيخ والتثريب لا تقييد انقاد له فأطاعه، وقوله: «إذا تقسمت الأمور» أي إذا جعلت أمور الديانة أقساما وأخذ كل واحد قسمه، و «اللات» اسم صنم بالطائف لثقيف و «العزي» اسم صنم آخر بنواحي مكة لكنانة و «أساف ونائلة» صنمان على الصفا والمروة و «يغوث» كان باليمن و «يعوق ونسر» كانا بأرض حمير و «منات» بيثرب للخزرج و «هبل» كان في الكعبة. والجعل في قوله:

«أتيما تجعلون» بمعنى التصيير من القول أو الاعتقاد من قبيل: وجعلوا الملائكة إناثا ومعنى إلي منسوبا إلي فهو حال من أتيما ، والنديد المثل أي لا يصلحون مثلا لذي حسب فكيف يصلحون نديد أو مثلا لمثلي وأنا المشهور بالأحساب. والحسب ما يعده المرء من مفاخر أبائه ويقال: حسب المرء دينه وقيل: الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم لكن له أباء لهم شرف. ومقصود جرير بهذ البيت التوبيخ والإنكار على جعلهم ندا له وإثبات أنه من ذوي الأحساب.

قوله: (ومفعول تعلمون مطروح) أي متروك بالكلية بحيث لا يكون مقدرا ولا منويا بأن لا يقصد تعلق الفعل به أصلا بل ينزل منزلة اللازم ويقصد مجرد قيامه بالفاعل واتصافه به إيهاما للمبالغة في ذلك الاتصاف. ولهذا قال «وحالكم أنكم من أهل العلم والنظر» أي إنكم أصحاب فطنة وذكاء تعرفون دقايق الأمور وغوامض الأحوال وتميزون بين المقبول والمردود بتدابيركم الصائبة وأنظاركم الصحيحة. وقوله: «أو منوي» عطف على قوله: «مطروح» أي ويحتمل أن يكون مفعوله مقدرا. وحذف اختصارا لدلالة القرينة عليه وهي سوق الكلام لنهيهم عن إثبات الأنداد له تعالى والتقدير: وأنتم تعلمون أن الأنداد التي تزعمونها لا تماثله تعالى لا في ذاته ولا في شيء من صفات كماله، ولا تقدر على مثل ما يفعله الله عز وجل فضلا عن أن تقدر على منازعته بأن تدفع عنهم بأس الله تعالى الذي أراد أن يصيبهم به أو تمنحهم ما لم يرد الله تعالى أن يصيبهم به من خير. وفي عطف قوله: «ولا تقدر على مثل ما يفعله» على قوله: «لا تماثله» الإشارة إلى أن هذا المعطوف داخل ومعتبر في المفعول المقدر أيضا إلا أنه لما لم يكن اعتبار هذا المعطوف ظاهرا مثل ظهور كون المعطوف عليه معتبرا لظهور دلالة لفظ الأنداد عليه استشهد على اعتبار المعطوف بقوله تعالى: هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء [الروم: 40]. قوله: (وعلى هذا) أي وعلى تقدير أن

Page 385