Ḥāshiyat Muḥyī al-Dīn-zāda ʿalā tafsīr al-Qāḍī al-Bayḍāwī
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Genres
الصيب مقامه لكن معناه باق فيجوز أن يعول عليه كما عول حسان في قوله:
يسقون من ورد البريص عليهمو ... بردى يصفق بالرحيق السلسل
حيث ذكر الضمير لأن المعنى ماء بردى والجملة استيناف فكأنه لما ذكر ما يؤذن بالشدة والهول، قيل: فكيف حالهم مع ذلك؟ فأجيب بها. وإنما أطلق الأصابع موضع الأنامل للمبالغة.
من الصواعق متعلق بيجعلون أي من أجلها يجعلون كقولهم: سقاه من العيمة.
الموضع نازلا عليهم ماء بردى ممزوجا بالرحيق السلسل أي بالخمر الحلو الذي يدخل الحلق بسهولة بقوله:
(يسقون من ورد البريص عليهمو ... بردى يصفق بالرحيق السلسل)
فقوله: «من ورد» مفعول أول «ليسقون» و «بردى» مفعول ثان له. والتقدير ماء بردى لأن بردى اسم نهر ونفس النهر لا يسقى «وعليهمو» متعلق بمحذوف منصوب على أنه حال من المنوي في «ورد» و «يصفق» حال من المضاف المقدر وهو ماء بردى. وتصفيق الشراب تحويله من إناء إلى إناء آخر للتصفية. والرحيق الشراب الخالص الذي لا غش فيه والسلسل السهل الانحدار. وقوله: «حيث ذكر» بتشديد الكاف في ذكر بيان لقوله: «عول». قوله:
(والجملة) أي جملة «يجعلون أصابعهم» استيناف ولذلك لم تعطف على ما قبلها. فإنه لما ذكر ما يؤذن بالشدة والهول بناء على أن الصيب باعتباره تنكيره يدل على نوع شديد من المطر وكذا يدل عليه باعتبار مأخذ اشتقاقه، وباعتبار خصوص بنائه، وباعتبار كونه مطبقا نازلا من الآفاق كلها، وباعتبار ما في ظلمات ورعد وبرق من الكثرة والتعظيم والتهويل المستفادة من الجمعية والتنكير. فلما ذكر ابتلاء أصحاب الصيب بمثل هذه الشدة والهول توجه أن يقال: كيف حال هؤلاء المساكين مع ما ذكر مما يؤذن بهذه الشدائد والأهوال؟
فالجواب عنه بجملة «يجعلون أصابعهم في آذانهم من أجل الصواعق التي فيه» والمراد بالصاعقة ههنا شدة صوت الرعد بحيث ينزل معها قطعة من النار. قوله: (وإنما أطلق الأصابع) يعني أن التي تجعل في الآذان هي رؤوس الأصابع ويقال لها الأنملة لا مجموع الأصابع وكان الظاهر في ذلك أن يقال: يجعلون أناملهم إلا أنه ذكر لفظ الأصابع بدل لفظ الأنامل للمبالغة في الدلالة على قوة الباعث الذي يحملهم على الجعل المذكور لكمال شدته.
قوله: (أي من أجلها) إشارة إلى أن لفظة «من» ههنا للسببية بمعنى لام الأجل كما في قوله سبحانه وتعالى: ووهبنا له من رحمتنا [مريم: 53] أي من أجل رحمتنا وقوله
Page 338