193

Hashiya Cala Tafsir Baydawi

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

Genres

منزلة الواقع، ونظيره قوله تعالى: إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى [الأحقاف: 30] فإن الجن لم يسمعوا جميعه ولم يكن الكتاب كله منزلا حينئذ. وبما أنزل من قبلك التوراة والإنجيل وسائر الكتب السابقة والإيمان بهما جملة فرض عين، عنه بلفظ الماضي وإن كان بعضه مترقبا تغليبا للموجود على ما لم يوجد كما يغلب المتكلم على المخاطب والمخاطب على الغائب، فيقال: أنا وأنت فعلنا كذا وأنت وزيد تفعل كذا، فيكون قوله تعالى: ما أنزل إليك مجازا مرسلا من قبيل التعبير عن الكل بلفظ الجزء.

والوجه الثاني أنه جعل كل القرآن منزلا وإن كان بعضه مترقب النزول تشبيها بما تحقق نزوله لكونه محقق النزول فاستعير له اللفظ المستعمل فيما تحقق نزوله. قوله: (ونظيره) يعني أن نظيره في الاحتياج إلى أحد التأويلين، فإن قول الجن إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى [الأحقاف: 30] بلفظ أنزل يتبادر منه أن سماعهم قد تعلق بكل الكتاب وأنه قد أنزل بتمامه حين تعلق به سماعهم بناء على أن المتبادر من لفظ الكتاب عند الإطلاق هو المجموع لا البعض ولا القدر المشترك بين بعضه وكله. والحال أن الجن لم يسمعوا جميعه ولم يكن كله منزلا حينئذ فوجب المصير إلى أحد التأويلين المذكورين وهو أن يغلب ما سمعوه على ما لم يسمعوه وينزل المجموع منزلة المسموع، فيقال في حقه: سمعنا كتابا وأن يغلب ما تحقق نزوله على ما لم يتحقق نزوله ويقال في حق الجميع: أنزل وأن يشبه ما هو مترقب النزول بما تحقق نزوله فيستعار للجميع اللفظ المستعمل فيما تحقق نزوله استعارة تصريحية.

قوله: (وبما أنزل من قبلك التوراة والإنجيل وسائر الكتب السابقة) هو معطوف على قوله: بما أنزل إليك في قوله: «والمراد بما أنزل إليك». قوله: (والإيمان بهما جملة فرض عين) أي بكل واحد مما أنزل عليه عليه الصلاة والسلام وما أنزل من قبله إجمالا أي مع قطع النظر عن تفاصيل ما فيهما من الشرائع والأحكام فرض عين، والإيمان بتفاصيل ما أنزل عليه عليه الصلاة والسلام فرض كفاية. وقوله: «متعبدون» أي مكلفون بتفاصيله وقيام المرء بما أوجب الله تعالى علما وعملا لا يمكنه إلا إذا علمه على سبيل التفصيل إذ لو لم يعلمه كذلك امتنع عليه القيام به، بخلاف الإيمان بتفاصيل ما أنزل من قبله فإنه ليس بفرض علينا أصلا أي لا فرض عين ولا فرض كفاية لأنه تعالى لم يكلفنا بما فيه حتى تلزمنا معرفته على سبيل التفصيل، بل إن عرفنا شيئا من تفاصيله فحينئذ يلزم علينا الإيمان بتلك التفاصيل.

قال الإمام رحمه الله: الإيمان بما أنزل عليه عليه الصلاة والسلام واجب لأنه قال في آخره:

وأولئك هم المفلحون [البقرة: 5] بطريق الحصر فثبت به أن من لم يكن له هذا الإيمان وجب أن لا يكون مفلحا، وإذا ثبت وجوب ذلك ثبت أنه يجب تحصيل العلم بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم على سبيل التفصيل لأنه إن لم يعلمه كذلك امتنع عليه القيام به إلا أن تحصيل

Page 199