Hashiya Cala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Genres
حلاله». وبأنه لو لم يكن رزقا لم يكن المتغذى به طول عمره مرزوقا، وليس كذلك لقوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها [هود: 6] وأنفق الشيء وأنفده أخوان، ولو استقريت الألفاظ وجدت كل ما فاؤه نون وعينه فاء دالا على معنى الذهاب حرم الله عليك من رزقه» صريح في أن الرزق قد يكون حراما وأما العقلي فإن الحرام لو لم يكن رزقا لوجب أن يكون من لم يأكل طول عمره سوى الحرام لم يأكل من رزق الله شيئا، وليس كذلك لأن الدواب بأسرها مرزوقة. وأجيب عنه بأن الله سبحانه وتعالى قد ساق إليه كثير من المباح إلا أنه أعرض عنه لسوء اختياره على أنه منقوض بمن لم يأكل حلالا ولا حراما، فجوابكم جوابنا كذا في شرح المقاصد. والأول مدفوع بأنا نفرض أن المتعدي بالحرام طول عمره صبي ما بلغ إلى درجة الاختيار حتى يقال إنه أعرض عما سيق إليه من المباح لسوء اختياره ولو بلغ حد الاكتساب والاختيار نفرض أنه سبحانه وتعالى لم يسق إليه شيئا من المباح فيلزم أن لا يكون مرزوقا لا محالة وهو باطل. فإن قيل: فحينئذ يكون مضطرا فيباح له ذلك، قلنا: قد تقرر في الأصول أن المحرم والحرمة باقيان حالة الاضطرار وأن الحرام حرام في نفسه. غاية ما في الباب أن المضطر رخص له أن يتناول منه قدر ما يسد به رمقه لا إلى حد الشبع، وأما من مات ولم يأكل حلالا ولا حراما فيختار أنه ليس بمرزوق ونقول: معنى الآية والله أعلم وما من دابة [هود: 6] موصوفة بالمرزوقية أي مقدور أن تأكل وتشرب إلا على الله رزقها [هود: 6] كما قالوا: معنى قولهم كل حيوان يذبح بالسكين كل حيوان يتصف بالمذبوحية ليخرج السمك. قوله: (أخوان) أي بينهما اشتقاق أكبر لاشتراكهما في أصل المعنى وفي أكثر الحروف الأصول. والمعنى الأصلي للإنفاق إخراج المال من اليد، ومنه نفق البيع نفاقا إذا راج وكثر مشتروه وصار في معرض الخروج من اليد. ونفقت الدابة نفوقا إذا ماتت أي خرج روحها. ونافقاء اليربوع إحدى حجرتيه يخرج منها عند الاضطرار فإنه يكتمها ويخرج من حجرته الأخرى وهي القاصعاء يستعملها وقت السعة، ويرقق النافقاء ويسهلها للنقض والخرق فإذا أتى من قبل القاصعاء يضرب النافقاء برأسه ويخرج منها.
ومنه النفق ومنه قوله تعالى: أن تبتغي نفقا في الأرض [الأنعام: 35] وهو سرب في الأرض له مخلص إلى مكان وفي الصحاح: نفذ الشيء بالكسر نفادا فنى، وأنفده أي أفناه، وأنفد القوم أي ذهبت أموالهم أو فنى زادهم. فظهر اشتراك أنفقه وأنفده في أصل المعنى ويكفي في مطلق الاشتقاق بين اللفظين تناسبهما في اللفظ والمعنى وإن لم يتفقا في الحروف الأصلية وترتيبها. قوله: (ولو استقريت الألفاظ وجدت كل ما فاؤه نون وعينه فاء) نحو نفد ونفذ ونفر ونفس ونفث ونفخ ونفض ونفل وأمثالها ينبىء عن معنى الخروج
Page 190