بلغ العمدة دار لطيف بك في باكر الصباح فوجده يقظانا. - وقعت من السماء، فتلقني. - أتلقاك بروحي يا حضرة العمدة، خير. - بنتي، بنتي الوحيدة اختطفتها العصابة، وأرسلت تهددني بقتلها إن أنا لم أبلغ النيابة أن ما ذكرته عن الدفراوي كان كذبا، وأنني لم أره.
وفكر لطيف هنيهة ثم قال للعمدة: اذهب أنت إلى البلد وغدا ستكون ابنتك عندك، كنت مسافرا الآن، ولكنني سأؤجل سفري للمساء حتى أنهي هذه المسألة.
وراح العمدة يدعو للطيف بك، وخرج من عنده ليس في نفسه أمل إلا هذا الذي ألقاه إليه ملجؤه الأخير في ثقة واطمئنان.
وما إن خرج العمدة حتى نادى لطيف أحد رجاله وقال له: عند المغرب تذهب إلى بيت النمرود وتقول له: إن البك يريد كمالا أن يأتي إليه الليلة قبل الساعة الثامنة مساء؛ لأني مسافر بعد ذلك لأحضر قضية الغد في مصر. - حاضر. •••
هم كمال بالخروج من منزله قاصدا إلى المغارة، وإذا بالنمرود والزهار يدخلان ليبلغاه أن البك يطلبه. - لا بد أنه يريدنا من أجل درية. - نعم لا بد. - هلم لنراه. - أنذهب جميعنا؟ - نعم، ثم نعود إلى المغارة لنأخذ مكان نور، وحذار أن يتكلم أحد منكم أمام لطيف، دعوا الكلام لي وحدي، فقد أصبح الأمر بالغ الخطورة.
ويمضي جميعهم إلى البك فيجدونه منفردا في حجرته، ويستقبلهم مرحبا: أهلا أبا كمال، أهلا بالرجال. كنت مسافرا الآن فانتظرت حتى تأتوا.
ويجيب كمال: أهلا بك يا سعادة البك، أطال الله عمرك وأبقاك. - ماذا فعلت من أجل منصور؟ أريد أن أوكل عنه أحسن المحامين. - والله يا سعادة البك شهادة العمدة سيئة للغاية، وأخشى ألا يستطيع المحامي أن يفعل شيئا. - إذن فصحيح ما سمعته عن خطف بنت العمدة؟ - وماذا نفعل يا سعادة البك؟ منصور أخونا ومن لا يحمي أخاه فليس رجلا. - ولكن العمدة رجل مسكين. - أصابه سكين، وما له لم يكن مسكينا في الانتخابات وأمام النيابة؟ - على كل حال يا أبا كمال أنت رجل، ونعم الرجل. - أبقاك الله يا بك، وأطال عمرك. - الانتخابات قادمة قريبا، وأنا أريدك أن تساعدني فيها. - تحت أمرك جميعنا يا بك. - لن أطلب منك إلا مسألة بسيطة. - مر. - بلدة السلام. - نعطي الأوامر يا بك أن تنتخبك جميعها. - لا هذا غير ممكن؛ فإننا لن نستطيع أن نهدد بلدة بأجمعها في الانتخابات، وخاصة أنتم لم تكشفوا عن أنفسكم في القرية، وقد جعلتم فكرتكم أمام القرية أن تأخذوا من الأغنياء لتعطوا الفقراء، فما شأن هذا بالانتخابات؟ - فماذا نفعل؟ نحن خدامك. - الطريقة المثلى أن نسترضي العمدة. - وكيف؟! - نرد له ابنته عن طريقي. - ومنصور؟ - أكبر محامي في مصر سيترافع عنه. - يا بك شهادة العمدة لا تنفع معها مرافعة. - هذا شأن المحامين. - ومن يدري ماذا سيحدث لنا من هنا حتى يوم المحاكمة؟ - ماذا سيحدث؟ - ألا يجوز أن يشتد الضغط على منصور فيذكر أسماءنا؟ - منصور رجل، ولا يمكن أن يسيء لإخوانه. - يا بك السجن صعب لا يرحم. - أنا واثق من منصور. - يا بك لا نستطيع. - أتخالفني؟ - العفو يا بك، ولكنها مسألة حياة أو موت لنا جميعا. - أنسيت أن العمدة طلب إلي أن أعطيه رجالا من رجالي ليحاربكم فرفضت، رفضت له طلبا يهم البلدة كلها، أما طلبه الخاص بابنته فإني أرجو أن تمكنني من الوفاء به. إنه لجأ إلي ولا يرضيك أن أخيب لاجئا إلي. - حياتنا يا سعادة ... حياتي وحياة إخواني هؤلاء. - على كل حال هذا شأنك، ولكن اعتبر صداقتنا منتهية إن أنت لم تصنع لي هذا المعروف الصغير. - يا بك نحن خدامك، لا نخرج عنك أبدا إلا في هذه المسألة. - أنتم أحرار، ولكل منا أن يفعل ما بدا له. - نحن خدامك يا بك، نستأذن. - مع السلامة.
ويقوم كمال فيقوم النمرود والزهار، ويخرجون بعد أن يلقوا السلام في أدب جم، وفي جمود يعرفه لطيف منذ تعود مصاحبة أمثالهم.
وما إن يبتعد ثلاثتهم عن دار لطيف حتى يدعو لطيف إليه سليمان النطل كبير رجاله بعد موت الفرماوي، فيقول له: تذهب أنت وعباس وفهمي الليلة إلى قرية السلام وتأخذون إليها الطريق الذي يدور حول بلدة الفرايحة. اركبوا السيارة الجيب وأخفوها قبل بلدة السلام، وانتظروا الثلاثة الذين خرجوا الآن من عندي. اقتلوهم الثلاثة الليلة، فإن طلع عليهم الصباح وهم أحياء فلا تروني وجوهكم؛ لأنهم إن عاشوا فيسقتلونني، أتفهم؟ وحذار أن تسير وراءهم في الطريق التي ذهبوا منها فتقتلوهم في حدود بلدنا، انتظروهم عند بلدهم واقتلوهم. أنا مسافر الآن إلى مصر، أقرأ في جرائد الصباح عن مقتل الثلاثة أتفهم؟
هل يفهم سليمان إلا هذا؟! •••
Unknown page