عرفنا أن قطنك سيسلم غدا إلى التاجر، ولكننا نوينا أن نأخذ من الأغنياء لنعطي الفقراء واليتامى والمساكين وأبناء السبيل؛ فقد قال الله تعالى:
والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم ؛ ولذلك فإننا سنأخذ منك عشرين جنيها عن كل قنطار جنيها واحدا، وسنصرفها في أوجه البر، فإن قبلت فأرسل المبلغ مع ابنك صلاح إلى طريق محطة السكة الحديد فيظل سائرا فيه، وسيجد أحدنا ليرشده إلى الخص الذي نجلس فيه الآن، واعلم أنك مراقب من الآن حتى يحضر صلاح بالفلوس، فإن حاول أن يأتي بأحد معه فسيقتل هو ومن معه، وإياك وعدم الدفع؛ لأنك ستحزن حزنا شديدا، وقد أنذرناك وأنت من الآن المسئول وحدك عما سيحدث لك.
جماعة الخير
قرأ الشيخ حسن الورقة ثم أعاد قراءتها ثم أعاد، وفضيلة لا تزال بالشباك تشتم من قذف بالحجر، فوضع الشيخ حسن الورقة في جيبه وتوكأ على الأثاث حتى بلغ الشباك، وراح ينظر مع فضيلة التي التفتت إليه قائلة: لا أحد، لا أدري أين ذهب ابن الكلب.
فلم يجب الشيخ حسن وإنما راح يتوكأ مرة أخرى على الأثاث حتى بلغ باب الحجرة، وفتحه ونادى: «يا صلاح.» ولكن صوته لم يبلغ أذن ابنه فسألته زوجته: «تريده في شيء يا شيخ حسن؟»
فقال لها: «نعم، ناديه.» فنادت فضيلة من عند السلم بصوت جهير: «يا صلاح.» وسرعان ما جاء الجواب: «نعم يا أم.» فقالت: «كلم أباك.» وجاء صلاح إلى حيث يبلغ أذنه حديث أبيه: «نعم يا أبي؟» فقال الشيخ حسن: «اخرج إلى الشارع ودر حول المنزل وانظر إن كان أحد واقفا، وأسرع.» وراح صلاح يصدع بالأمر ذاهلا فهو لم يسمع الزجاج وهو يتحطم، فالأمر غريب بالنسبة إليه، ولكنه لا يسعه إلا أن يطيع أباه، وسرعان ما عاد صلاح يقول: «لا أحد يا أبي.» فقال الشيخ حسن: «أحكم رتاج الباب وعد إلى عملك.» فقال صلاح: «أمرك يا أبي.» وعاد الشيخ حسن يقول: «أما زال أمامكم عمل كثير؟» فقال صلاح: «لا يا أبي، فقد أوشكنا أن ننتهي.» فقال الشيخ حسن: «فإذا انتهيتم وخرج الأنفار فأحكم الرتاج بعدهم.» فقال صلاح وهو لا يزال ذاهلا: «أمرك يا أبي.» وانصرف صلاح عاجبا من أوامر أبيه هذه المتلاحقة؛ فهو قد تعود أن يحكم رتاج الباب ولكنه لم يتعود أن يطلب إليه أبوه ذلك، كما لم يتعود أن يطلب أبوه أن يدور حول المنزل ليرى إن كان أحد واقفا، ولكنه أقنع نفسه أخيرا بأن أباه يحتاط في هذه الأيام التي شاعت فيها الحوادث، وإن كان هذا الرأي لم يقنعه كل الإقناع فهو يعرف أباه ثبتا لا يخف فؤاده، ولكنه لم يجد غير هذا الرأي فقبلته نفسه في مضض وحيرة.
وعاد الشيخ حسن إلى غرفته فوجد عيني زوجته حائرتين في وجهه، تكاد تسأله العينان قبل اللسان: خير يا شيخ حسن؟ أكل هذا من أجل حجر ألقاه طفل؟
وغمغم الشيخ حسن متفكرا: لعب عيال.
فقالت الزوجة وهي حائرة لا تزال: طبعا يا شيخ حسن لعب عيال، فلماذا هذا جميعه؟
وغمغم الشيخ حسن مرة أخرى: لا شيء، مجرد احتياط لا أكثر، هلمي إلى النوم يا فضيلة.
Unknown page