357

فقالت نور الصباح محذرة: الحياة أغلى من المال.

فقال بغضب: إن أعين رجاله ترقبني ليل نهار، كالمتبع مع المخيفين من آل الناجي، وها هو ظرف جديد يدفعه إلى المزيد من الحذر!

فتأوهت نور الصباح وقالت: الحذر يا بني، لعنة الله على أبيك، وليحفظك الله.

49

اقتنع سماحة بأن حياته باتت مهددة ليخلص الميراث لسنبلة وحدها، وليأمن الفتوة جانبه على فتونته بصفة نهائية.

والعجيب أن شمس الدين نفسه لم يستنم طويلا إلى سبات الطمأنينة العذب. ماذا يحول بين سماحة وبين الانتقام منه وهو أدرى الناس بطبعه المستهتر؟ وهل يوجد سيد للموقف اليوم أقوى من سمعة الكلبشي؟ لقد وضعه الخوف من الموت بين فكي الموت نفسه، ولن يستكن الفتوة حتى ينتزع منه ماله إلى آخر مليم. وهو لم يمل حقا لسنبلة، وعاوده حنينه إلى نور الصباح، ولكن كان عليه أن يحمل ثقل تلك المعاشرة مع أثقال حياته الأخرى. وثمة حقيقة تنشب أظافرها في لحمه وهي أن الأمس لا يمكن أن يرجع أبدا.

50

وزاره سمعة الكلبشي ذات ليلة. أشار إلى ابنته فغادرت الحجرة فتوقع أمرا لا يسر. ما معنى زيارة ليلية؟ كره منظر وجهه الشبيه بكرة كثيرة الندوب، كما كره ثقته الموحية بأنه يجلس في بيته وبين أهله. وراح يتكلم عن عجائب المصادفات ونوادر الدهر والقوى الخفية المسيطرة على مصائر البشر، وشمس الدين في حيرة من تأملاته، حتى قال الفتوة: انظر مثلا كيف أن وجود شخص معين غير مريح لكلينا!

أدرك من أول وهلة ما يعنيه. تجسدت لعينيه صورة ابنه سماحة. انذعر لموافقة الرأي لأمانيه الخفية أكثر من انذعاره إشفاقا على وحيده. وتساءل متجاهلا ومتغابيا: أي شخص تعني يا معلم؟

فقال الكلبشي بازدراء: لا، لا! لا تستغفل الكلبشي يا أبا سماحة!

Unknown page