242

1

تدهورت صحة سماحة فاضمحل سريعا، وما لبث أن أسلم الروح وهو يتأهب للنوم عقب صلاة الفجر، وكأنه لم يرجع من منفاه إلا ليدفن في جوار شمس الدين. غير أنه مات سعيدا، مات وهو يتوهم أنه إنما يهجر فردوسا إلى فردوس. وقال عزيز: لقد أنكرنا حقيقة حياتنا أمامه فاعترفنا بذلك - بما فينا وحيد نفسه - إن حياتنا منكر لا يجوز إفشاؤه على مسمع من الطيبين.

2

ونجح محل الغلال نجاحا عظيما، وأثرى عزيز ثراء واسعا. وقنع من البطولة بإيمان القلب، وحب الخير وممارسته في نطاق محدود. أقلع عن أحلام النبل مؤثرا السلامة، ومعتذرا عن تقصيره أمام ضميره أنه لم يعد للبطولة ولم يملك وسائلها.

وخطبت له عزيزة ألفت الدهشوري كريمة عامر الدهشوري صاحب وكالة الحديد، فرضي باختيار أمه ملهمة حياته وراعية أمنه ونجاحه. وزفت إليه بعد مرور عام على وفاة جده سماحة. وأقام معها في دار البنان التي اشتراها وجددها فأصبحت دار عزيز. وكانت العروس حسناء فارعة بدينة مثقفة في فنون البيت وآدابه، فوجد فيها بغية قلبه، وسرعان ما ربطهما الحب برباط متين. واستقبلا حياة مترعة بالسعادة والذرية.

3

ولبث رمانة حبيس داره حتى بعد زوال الأسباب الداعية إلى ذلك؛ فقد تراجع وحيد عن وعيده بمجرد عودة سماحة، ولكن رمانة كره الخارج، وغاب عن الوعي والكرامة، وكان يعيش في شبه عزلة عن زوجاته الأربع، ولم يسل قط عن رئيفة، ودأب على السكر والمخدر.

وذات مساء اشتد به السكر فمضى مترنحا إلى جناح الشيخة ضياء، فدار حول مجلسها وهو يقهقه، وراح يقول لها ساخرا: إنك أصل البلاهة والبلاء.

وظلت المرأة غائبة فقال: إني في حاجة إلى نقودك فأين تكنزينها يا معتوهة؟!

وقبض على يدها وأنهضها بعنف ففزعت المرأة وضربته بالمبخرة في وجهه. عند ذاك جن غضبه فقبض على عنقها وشد بعنف فلم يتركها إلا جثة هامدة.

Unknown page