فقال رمانة: بل المعاشرة تعالجه، واعلمي أنني لا أكف عن البحث.
فقالت بإصرار: أجل، علينا أن نعرف القاتل!
فهتفت رئيفة: لا أصدق أنه قتل.
فقاومت عزيزة دموعها بكبرياء، ولم تهش لكلمة من الكلمات الطيبة، فلم يسفر اللقاء عن خير. ولم تنقطع عزيزة عن وحيد أو أبيها، لم يتسلل اليأس إلى إرادتها، وجعلت الأيام تمضي، والمعلم قرة يذوب في المجهول.
44
فسر اختفاء المعلم قرة في الحارة باعتباره نتيجة لعدوان قطاع الطريق. هكذا يقال جهرا كلما جاء للحادث ذكر. أما همسات الاتهام في البوظة والغرزة فكانت تحوم حول رمانة، لقد قضى على شقيقه بالقتل قبل أن يقضي عليه بالفصل والإفلاس. وها هو يستقل بإدارة المحل، متصرفا في ماله ومال ابن أخيه اليتيم، وقد أقلع عن العربدة والقمار حتى لا يقال بأنه يبدد مال اليتيم، وعمل ألف حساب لوحيد فتوة الحارة. رغم ذلك فقد تضاءلت عملقة المحل، واختصرت معاملاته، واعتذر رمانة عن ذلك بقلة درايته ومهارته التجارية.
وقال لشقيقه وحيد: ليس في وسعي أفضل من ذلك، وإني أرحب بأن تعمل معي إذا شئت.
ولكن وحيد قال له ببرود: أنت تعلم ألا خبرة لي بهذه الشئون.
45
ولم تكترث عزيزة كثيرا لما يطرأ على المحل من تحول أو ضمور. كانت تحلم باليوم الذي يحل فيه عزيز في مكان أبيه، فيستقل عن عمه ويعيد إلى المحل سيرته الأولى. في سبيل ذلك وقفت نفسها على تربية وحيدها. أرسلته إلى الكتاب في سن مبكرة، وزودته بمعلم خاص ليزيده علما بالحساب والمعاملة. ولم تأل في تذكيره بسير أجداده من آل البنان، بل دفعها إخلاصها لقرة إلى التنويه له ببطولات الناجي ومثله العليا وأمجاده الأسطورية. وبثت فيه - بلا وعي وبوعي أحيانا - الحذر من عمه وزوجته، والنفور منهما، وشحنت قلبه بأنباء العداوة التي اضطرمت بين أبيه وعمه، واختفاء أبيه الغريب المريب.
Unknown page