وأثار نشاطه ريبة الفسخاني. وذكره رجال من أعوانه بتطلع سماحة إلى الفتونة، فقلق الرجل وقلق معه وجهاء الحارة وأعيانها.
وما تدري الحارة إلا والرجل الطيب خضر يعثر عليه مثخنا بالجراح في عطفة الكبابجي حيث كان في سهرة أخرته لما بعد منتصف الليل. ولم يجد الإسعاف في إنقاذ الرجل، فقضى نحبه عقب يومين من الحادث. ورغم إجماع القلوب على معرفة المجرمين فقد قيد الحادث كالعادة ضد مجهول، وضاع خضر مثل ذرة من رمال.
3
زلزل آل الناجي لمصرع عميدهم، وعدوا ذلك نهاية من نهايات الهوان المقدر عليهم. رغم ذلك استسلموا لقدرهم وأقروا بعجزهم، غير أن وحيد - ابن سماحة الأصغر - غضب غضبة مجنونة أنذرت بوخيم العواقب.
قال بحنق: قاتل عمنا يمرح ويدعى الفسخاني!
وتساءل بمرارة: أكان عاشور الناجي يتصور هذه النهاية لذريته؟
ومثله في الانفعال كانت ضياء أرملة خضر، ولكنها انفعلت بأسلوبها الموائم. دفعتها الجريمة فتهاوت في أحضان المجهول، جفلت من عالم الإنس، لقنت لغة الجماد والطير، واحتمت من نصال الألم بكهف الأشباح. صارت شيخة، الحلم رؤيتها، والفنجان نافذتها، والنبوءة الغامضة ترجمانها. وعشقت الجلباب الأبيض والخمار الأخضر والمبخرة النحاسية، تتهادى عند الأصيل بين الساحة والميدان، تنفث الدخان العطر، تلوذ بالصمت، تتبعها جارية، تحدق بها الأعين.
ويسخر رجال من رجال الفتوة فيقول قائلهم: ذلك آمن من الطمع في الفتونة.
وآلم سلوكها الشبان، كما آلم رضوان وزوجته أنسية وشقيقته صفية، ولكنهم عجزوا عن ترويضها. حتى وحيد الغاضب قال لها: دارك يا امرأة عمي. الزمي دارك إكراما لذكرى عمنا خضر.
فنظرت إليه ببلاهة وقالت: رأيتك في نومي متمطيا جرادة خضراء.
Unknown page