فأجابت بثبات: لا أعرف أحدا بهذا الاسم. - حقا؟! أين بدر الصعيدي؟ - لا أدري. - كذابة! - لا تسب يا مخبر، ماذا تريدون من رجل شريف؟ - شريف؟! أنت تعلمين أنه هارب من حبل المشنقة! - أعوذ بالله! الحارة كلها تعرفه.
فصاح: أمامي إلى القسم.
فهتفت: لي أبناء ثلاثة لا أحد يرعاهم. ماذا تريدون مني؟
41
فتش الدكان كما فتش البيت. جرى تحقيق دقيق مع محاسن. أفرج عنها، وطار الخبر في الحارة مثل النار. ذهل الناس ذهولا. - بدر الصعيدي! - صاحب اللحية! - المحسن! - قاتل هارب من المشنقة! - لم يكشفه إلا حماته وإن تكن امرأة سوء مثله!
42
مضت العادة تستل من العجائب روحها وجدتها. أدخلت محاسن أبناءها الكتاب، وكانت تجيء بهم عقب الكتاب إلى الدكان أو تتركهم يلعبون أمام عينيها. شد ما حزنت على زوجها، وشد ما حزنت لحظها الأسود. ورغم نوبات الحنق لم تنس أنه تركها مستورة، بل غنية بتجارة رابحة.
ومنذ يوم الكبسة لم يتخلف المخبر حلمي عبد الباسط عن المرور بالحارة أو الجلوس أحيانا بدكان شيخ الحارة. ترى أما زال يراقبها؟ إنها تشعر بنظراته وتضيق بحركاته ولكنها تتجاهله. رجل فظ غليظ، طويل القامة، كبير الوجه، ذو عينين صغيرتين وأنف غليظ، وشارب مثل مخرطة الملوخية. يا له من منظر شؤم! وشؤم ما اقترن به من ذكريات. إنه يراقبها بلا أدنى شك، فماذا يظن؟ يمر بالدكان فيرمي بنظرة غريبة مثيرة للتساؤل، أو يجلس بدكان شيخ الحارة فيسدد بصره بلا هوادة. ماذا يظن وماذا يريد؟ تساءل عقلها وتساءلت غريزتها. توثبت للنضال كما توثبت للاستطلاع.
ومرة توقف أمام الدكان. اقترب خطوة فانحشر في أفكارها. تبسم متسائلا: أتؤمنين حقا ببراءة زوجك؟
فأجابت دون أن ترفع عينيها إليه: إني أصدقه.
Unknown page