فقال بحرارة: أهبها عن رضا لخدمة الناس والله شهيد. - لا فائدة من قوتك إن لم تغسل مخك من الغباء!
فمد إليه بصرا حائرا، ثم قال: شغلني حمالا معك.
فقال ساخرا: لم أشتغل حمالا ساعة واحدة من حياتي. - ولكن ... - دعك مما قلت، أكان بوسعي أن أقول غيره؟ - فما عملك يا سيدي؟ - صبرك، سوف أفتح لك باب الرزق، لك أن تدخل ولك أن تذهب.
ترامى من القرافة صوات يشي بتشييع جنازة، فقال درويش: كل من عليها فان.
فقال عاشور وقد نفد صبره: إني جوعان يا معلم درويش!
فمد له يده بنكلة وهو يقول: إليك آخر هبة مني.
غادر عاشور البيت والمغيب يهبط على القبور والخلاء. أمسية من أماسي الصيف، وثمة نسمة رقيقة تتهادى حاملة أخلاط التراب والريحان. مضى في الممر حتى بلغ ساحة التكية. بدا لعينيه القبو مظلما، وترامت أشباح أشجار التوت من فوق الأسوار. تصاعدت الأناشيد بغموضها فصمم على طرح الهم جانبا وقال لنفسه: لا تحزن يا عاشور؛ فلك في الدنيا إخوة ليس لعدهم حصر.
ومضى تلاحقه الأناشيد:
أي فروغ ماء حسن
إز روى رخشان شما
Unknown page