296

وعندنا أنه ليس بين الدنيا والآخرة غير موتة واحدة؛ والدليل على ذلك قول الله تعالى: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى }[الدخان:56]، وقوله حاكيا قول المتسائلين يوم القيامة: {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ، قال قائل منهم إني كان لي قرين ، يقول أئنك لمن المصدقين ، أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون ، قال هل أنتم مطلعون ، فاطلع فرآه في سواء الجحيم ، قال تالله إن كدت لتردين ، ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين ، أفما نحن بميتين ، إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين}[الصافات:50-59]. فصح أنه ليس غير موتة واحدة. ومعنى قول الله فيما حكى من قول أهل النار فيها: {ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين}: أن مبتدأ خلق الإنسان من الموات، وهو الطين والنطفة والمضغة والعلقة، فهو في هذه الحال ميت، فهذه موتة، والموتة الثانية المشهورة بين الدنيا والآخرة. وأما قول أمير المؤمنين عليه السلام: (وأقعد في قبره) فالمراد به عند بعثه ونشره [والخلاف في إحيائه في القبر وإماتته ميتة ثانية. فأما عذاب القبر للعاصين فنقول به ونصدق به، وقد ورد في ذلك أخبار عن النبيء صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يؤثر في وقته أثر، والله أعلم. ونحسب أنه عند بعثه والله أعلم، والقول عليه عندنا: أنه يعذب عند بعثه ونشره] ويؤيد ما قلنا قول زيد بن علي": (أيها الناس إن الله خلقكم ليبلوكم أيكم أحسن عملا، جعل موتا بين حياتين: موتا بعد حياة، وحياة ليس بعدها موت). وهذا نص فيما ذهبنا إليه، وذلك أن مقام الإنسان في القبر قليل، ولذلك سماه الله زيارة للقبر فقال تعالى: {ألهاكم التكاثر ، حتى زرتم المقابر}[التكاثر:1،2]،ومن فن الزائر أنه لا يلبث إلا قليلا، وليس هو كالحال. وقد حكى الله قول أهل النار: {يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ، يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا ، نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما}[طه:102-104].

ومعنى قوله تعالى: {ونحشر المجرمين يومئذ زرقا} أي يدخل سواد عيونهم في بياضها.

وقال تعالى: {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون ، وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون}[الروم:55،56].

Page 371