190

ومما يدل على أنها كلها نعم؛ أن أدونها وأضعفها النسيان، فإن الإنسان لو كان لا ينسى لكان ذلك مؤديا إلى تنغيص النعمة في كل وقت وحين؛ لأنه لو كان يذكر المصائب ولا ينساها، ويذكر الموت ولا يجهل وقت هجومه عليه في كل وقت لما طابت له نعمة، ولا فارقه هم ولا غم، وكان ذلك سيشغله عن كثير من الأعمال المباحة والمستحبة، ولربما أيضا دعاه ذلك إلى الحزن المؤدي إلى الموت أو العمى، فقد عمي يعقوب عليه السلام من شدة حزنه على ولده يوسف عليه السلام قال الله تعالى حاكيا قول يعقوب عليه السلام: {وتولى عنهم وقال ياأسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم}[يوسف:84].

والدليل على أن الله فطر الناس على الجهل؛ أن الإنسان يولد جاهلا، قال الله تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا }[النحل:78]، وقال تعالى: {علم الإنسان ما لم يعلم }[العلق:5]، وقال تعالى: {وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر}[النحل:9]، أراد: وعلى الله تبيين قصد السبيل. وقال تعالى: {خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون}[الأنبياء:37]، أراد: فطر الإنسان على استعجال الخير؛ لأن العجل فعل المستعجل، ولم يرد أنه خلق الإنسان من فعله الذي هو العجل. وليس قولنا: إن الله تعالى فطره على شيء من فعله، بمعنى أنه جبره، ولكن المراد به: أن الله جعل له داعيا إلى ذلك للنعمة والبلية.

Page 258