Haqaiq Islam
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
Genres
وإذا أعطيت هذه الاعتبارات قسطها من الجد والروية، صح لدينا أن الإسلام قد جاء بالهداية الصالحة في تقرير مكان المرأة من الأسرة بالقياس إلى الحالة التي كانت عليها قبل الدعوة الإسلامية، وبالقياس إلى الحالات التي يحتمل أن تئول إليها في جميع الظروف والعوارض الاجتماعية؛ إذ رفعها الإسلام من الهوان الذي ران عليها من ركام العادات الخالية، وأقام حقوقها الزوجية على الأساس الذي يحسن في جميع الأحوال أن تقام عليه.
إن الإسلام لم يمنع الاكتفاء بزوجة واحدة، بل استحسنه وحض عليه، ولم يوجب تعدد الزوجات، بل أنكره وحذر منه، ولكنه شرع لأزواج يعيشون على الأرض ولم يشرع لأزواج تعيش في السماء. ولا مناص في كل تشريع من النظر إلى جميع العوارض والتقدير لجميع الاحتمالات، وفي هذه الاحتمالات - ولا ريب - ما يجعل إباحة التعدد خيرا وأسلم من تحريمه بغير تفرقة بين ظروف المجتمع المختلفة، أو بين الظروف المختلفة التي يدفع إليها الأزواج. •••
وينبغي أن ننبه إلى وهم غالب بين الجهلاء والمتعجلين من المثقفين عن سنن الأديان في تعدد الأزواج قبل الإسلام؛ إذ الغالب على أوهامهم أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي أباح تعدد الزوجات أو أنه أول دين أباحه بعد الموسوية والمسيحية.
وليس هذا بصحيح كما يبدو من مراجعة يسيرة لأحكام الزواج في الشرائع القديمة، وفي شرائع أهل الكتاب، فلا حجر على تعدد الزوجات في شريعة قديمة سبقت قبل التوراة والإنجيل، ولا حجر على تعدد الزوجات في التوراة أو في الإنجيل، بل هو مباح مأثور عن الأنبياء أنفسهم من عهد إبراهيم الخليل إلى عهد الميلاد، ولم يرد في الأناجيل نص واحد يحرم ما أباحه العهد القديم للآباء والأنبياء، ولمن دونهم من الخاصة والعامة، وما ورد في الأناجيل يشير إلى الإباحة في جميع الحالات والاستثناء في حالة واحدة، وهي حالة الأسقف حين لا يطيق الرهبانية فيقنع بزوجة واحدة اكتفاء بأهون الشرور. وقد استحسن القديس أوغسطين أن يتخذ الرجل سرية مع زوجته إذا عقمت هذه وثبت عليها العقم، وحرم مثل ذلك على الزوجة إذا ثبت لها عقم زوجها؛ لأن الأسرة لا يكون لها سيدان،
2
واعترفت الكنيسة بأبناء شرعيين للعاهل شرلمان من عدة زوجات، وقال وستر مارك
Wester Mark
العالم الثقة في تاريخ الزواج: إن تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقي إلى القرن السابع عشر، وكان يتكرر كثيرا في الحالات التي تحصيها الكنيسة والدولة. وعرض جروتيوس - العالم القانوني المشهور - لهذا الموضوع في بحث من بحوثه الفقهية فاستصوب شريعة الآباء العبرانيين والأنبياء في العهد القديم. •••
فالإسلام لم يأت ببدعة فيما أباح من تعدد الزوجات، وإنما الجديد الذي أتى به أنه أصلح ما أفسدته الفوضى من هذه الإباحة المطلقة من كل قيد، وأنه حسب حساب الضرورات التي لا يغفل عنها الشارع الحكيم، فلم يحرم أمرا قد تدعو إليه الضرورة الحازبة، ويجوز أن تكون إباحته خيرا من تحريمه في بعض ظروف الأسرة أو بعض الظروف الاجتماعية العامة.
أما أن هذه الظروف قد تضطر أناسا إلى الزواج بأكثر من واحدة، فالأمر فيها موكول إلى الذين يعانون تلك الضرورات من الرجال والنساء، ومن تلك الضرورات أن يحتفظ الرجل بزوجته عقيما أو مريضة لا يريد فراقها ولا تريد فراقه، ومنها أن يتكاثر عدد النساء في أوقات الحروب والفتن مع ما يشاهد من زيادة عدد النساء على الرجال في كثير من الأوقات، فإذا رضيت المرأة في هذه الأحوال أن تتزوج من ذي حليلة، فذلك أكرم لها من الرضى بعلاقة الخليلة التي لا حقوق لها على زوجها، وأكرم لها كثيرا من الرضى بابتذال الفاقة أو بذل النفس في سوق الرذيلة.
Unknown page