Haqaiq Islam
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
Genres
فمن شرائط الدين اللازمة أن تدين به جماعة يمتد أجلها وراء آجال الأفراد، وتتعاقب فيها الأجيال حقبة بعد حقبة إلى أمد بعيد؛ فلا يؤخذ على الدين إذن أنه يناسب هذه الأجيال حيث تأخرت كما يناسبها حيث تقدمت على مر الزمان مع تطور العلم والحضارة.
ومن شرائط الدين اللازمة أن تدين به الأمة في العصر الواحد على تفاوت أبنائها في المعرفة والسجية والرأي والمشرب؛ فلا يؤخذ على الدين إذن أن يدخل فيه حساب العالم والجاهل، وحساب الرفيع والوضيع، وحساب الطيب والخبيث، وحساب الذكي النابغ والغبي الخامل.
ومن شرائط الدين اللازمة أن يريح الضمير فيما يجهله الإنسان - ولا بد أن يجهل - من شئون الغيب وأسرار الكون؛ لأنها الشئون والأسرار التي لا يحيط بها عقله المحدود، ولا تبديها له ظواهر الزمان والمكان؛ فلا يؤخذ على الدين إذن أن يتولى تقريب هذه الأسرار الأبدية بأسلوب المجاز والتشبيه، أو بأسلوب الرمز الذي تدركه العقول البشرية على مقدار حظها من الفطنة والنفاذ إلى بواطن الأمور وخفايا الشعور.
ومتى توفرت النفس على تسليم هذه الشرائط اللازمة لكل دين من الأديان، فقد وجب على العارفين أن يضطلعوا بالتوفيق بينها وبين مطالب الجماعة ومطالب الزمن ومطالب السريرة في أعماقها؛ حيث تتصل بعالم الغيب وعالم الشهادة صلاتها التي لا تنقطع لمحة عين. •••
وظاهر من سياق الكلام عن الدين في هذه الفاتحة أننا نعني به التدين على إطلاقه، ونريد أن ندل على أصالته في حياة الفرد وحياة الأمة، ومتى عرفنا للتدين أصالته في كلتا الحياتين منذ ألوف السنين، فليس ما يمنع أن يكون بين الديانات التي آمن بها البشر قديما وحديثا ديانة أفضل من ديانة، وعقيدة أقرب من عقيدة إلى الكمال.
وإنما تفضل الديانة سواها بمقدار شمولها لمطالب الروح وارتقاء عقائدها وشعائرها في آفاق العقل والضمير، وكذلك كانت الديانة الإسلامية - كما آمنا بها - ملة لا تفضلها ملة في شمول حقائقها وخلوص عباداتها وشعائرها من شوائب الملل الغابرة.
وذلك هو موضوع هذا الكتاب فيما عرضه من حقائق الإسلام، وفيما يعرض له من أباطيل المفترين عليه.
إن بعض العقائد ليصيب النفس بما يشبه داء الفصام؛ لأنه يقسم الشخصية الإنسانية على نفسها، ويمزق الضمير الحائر بين نوازع الجسد ونوازع الروح، وبين سلطان الأرض وسلطان السماء، وبين فرائض السعي وفرائض العبادة. وشمول العقيدة الإسلامية هو الذي يعصم ضمير المسلم من هذا الفصام الروحاني، وهو الذي يعلمه أن يرفع رأسه حين تدول دولته أمام المسيطرين عليه، وهو الذي يحفظ كيان الأمم الإسلامية أمام الضربات التي تلاحقت عليها من غارات الفاتحين، أو غارات الحروب الصليبية، أو غارات الاستعمار والتبشير.
وشمول العقيدة الإسلامية هو الذي حقق للإسلام ما لم يتحقق لعقيدة غيره من تحويل الأمم العريقة التي تدين بالكتب المقدسة إلى الإيمان به عن طواعية واختيار، كما آمنت به الأمم المسيحية والمجوسية والبرهمية في مصر وسوريا وفارس والهند والصين.
ولقد عزي انتشار الإسلام في صدر الدعوة المحمدية إلى قوة السيف، وما كان للإسلام يومئذ من سيف يصول به على أعدائه الأقوياء، بل كان المسلمون هم ضحايا السيف وطرائد الغشم والجبروت. وإن عدد المسلمين اليوم بين أبناء الهند والصين وإندونيسيا والقارة الأفريقية ليبلغ تسعة أعشار المسلمين في العالم أجمع، وما روى لنا التاريخ من أخبار الغزوات الدينية في عامة هذه الأقطار ما يكفي لتحويل الآلاف المعدودة - فضلا عن مئات الملايين - من دين إلى دين.
Unknown page