Haqaiq Islam
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
Genres
وكانت عقيدة مصر الفرعونية أن الإله «سيت» شرير مع أعدائه ومخالفيه، وربما كان منه الخير لأتباعه ومؤيديه، ولم يكن خلاص الروح عندهم منفصلا عن خلال الجسد، ولا العالم الآخر عندهم مخلوقا على مثال أرفع من مثال الحياة في وادي النيل.
ويميل علماء المقارنة بين الأديان إلى تفضيل العقيدة الهندية على العقيدتين الفارسية والمصرية، ولكنه تفضيل لا يقوم على أساس صحيح؛ لأن إلغاء الخير في عالم المادة بحذافيره لا يفسح فيه مجالا للخير ولا يجعل الخلاص منه إلا كالخلاص من مكان موبوء، حدوده كحدود الأبعاد والمسافات، وليس في هذه العقيدة الهندية ما يجعل للهدم لازمة غير لازمة الخلق والحفظ، فكلها من لوازم عمل الإله بغير تفرقة بين هذه الأطوار تأتي من الإله أو تأتي من العباد.
وربما كانت عقيدة مصر الفرعونية أقرب هذه العقائد الثلاث إلى تنزيه الضمير الإنساني من لوثات الوثنية؛ لأنها جعلت للشر نزعة منفردة بين نظم الأكوان، كأنما هي نزعة التمرد في عالم يقوم على الشريعة والنظام. •••
ثم تميزت من بين عقائد القبائل البدائية والحضارات العليا عقائد الديانات الكتابية التي يدين بها اليوم أكثر من نصف الأمم الإنسانية، ويتغلغل أثرها في الأمم الأخرى شيئا فشيئا ولو لم تتحول عن عقائدها الأولى.
تميزت بين ديانات الأولين الديانة العبرية والديانة المسيحية والديانة الإسلامية، وكانت الديانة العبرية جسرا بين عدوتين: إحداهما عدوة الوثنية والأخرى عدوة التوحيد والتنزيه.
ولهذا لم تتميز قوة الخير وقوة الشر بفاصل حاسم في الديانة العبرية، فكان الشر أحيانا من عمل الشيطان وأحيانا من عمل الحية، وكان الشر بهذه المثابة تارة ضررا لا يجوز، وتارة أخرى ضررا ماديا يأتي من حيوان كريه إلى الناس لما ينفثه من سموم قاتلة، ولم يكن الشيطان منفصلا من زمرة الملائكة، بل كان من زمرة الحاشية الإلهية التي تنفث سموم الوشاية والدسيسة.
وقد كانوا ينسبون العمل الواحد مرة إلى المعبود «يهوا» ومرة إلى الشيطان، فجاء في كتاب صموئيل الثاني أن الرب غضب على إسرائيل فأهاج عليهم الملك داود وأمره بإحصائهم وإحصاء يهودا معهم، وجاء في كتاب الأيام أن الشيطان هو الذي وسوس لداود بإجراء هذا الإحصاء، ولم يرد اسم الشيطان قبل ذلك في كتب التوراة مقرونا بأداة التعريف التي تدل على الأعلام كأنه كان واحدا من أرواح كثيرة تعمل هذه الأعمال التي انحصرت بعد ذلك في روح واحد يسمى الشيطان، ويستعين بمن على شاكلته من الأرواح. •••
ثم انتقلت فكرة الشيطان مرحلة واسعة بعد ظهور المسيحية فتم الانفصال بين الصفات الإلهية والصفات الشيطانية، وأصبح للإله عمل وللشيطان عمل، ولكنه عمل جسيم يوشك على أن يضارع عمل «أهريمان» إله الظلام؛ لأنه سمي في الأناجيل باسم رئيس هذا العالم واسم إله هذا الدهر، وكانت له مملكة الدنيا ولله ملكوت السماوات، واستقل بشطر كبير من قصة الخليقة في السماء والأرض، فلولاه لما وقعت الخطيئة، ولا سقط الجنس البشري، ولا وجبت الكفارة بالفداء.
وانتقلت فكرة الشيطان إلى أبعد مراحلها بعد ظهور الإسلام؛ فهو قوة الشر لا مراء، ولكنها قوة لا سلطان لها على ضمير الإنسان ما لم يستسلم لها بهواه أو بضعف منه عن مقاومة الإغراء:
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان (الحجر: 42)،
Unknown page