ووضع سيجارتين بين شفتيه، وأشعلهما وناولها إحداهما، وأخذ كل منهما ينفث دخانه في الهواء صامتا شاردا، ثم مزق السكون صوته العميق الهادئ: ماذا قلت؟ - عن أي شيء؟ - عن الزواج. - أي زواج؟ - زواجنا! - ولماذا تريد أن تتزوجني؟ - لأنني أحبك! - وهل الحب عندك يعني الزواج؟
واعتدل على كرسيه وارتسمت على وجهه أمارات الجد الصارم وقال: لا، لا، لا، الحب شيء ضخم جدا، والزواج شيء تافه جدا، ولكن لا غنى للشيء الضخم عن الشيء التافه، الحب بلا زواج يعيش، يعيش بقوة، ويموت بقوة ، شهادة وفاة واحدة تقضي عليه، ولكن الحب مع الزواج لا يموت، شهادة ميلاد واحدة تضمن له الحياة أبدا. - تقصد الولد؟! - إنه سر الحياة! - لم يعد سرا ما دمت قد بحت به.
وضحكا، وقال وهو ينظر إلى أسنانها: إنني أحب ضحكتك، كأنما أرى فيها الدنيا بشمسها وقمرها، وهوائها، ومائها، ونهارها، وليلها، ودفئها وبردها. إنك تعبرين عن الحياة تعبيرا صادقا، بهذه الضحكة الطبيعية السهلة، إنني أحب الحياة حينما تضحكين. - بدأت أظن أنك ستنظم شعرا في يوم ما! - ربما! - إذن فأنت تغريني على عدم قبول الزواج. - لماذا؟ - لأن الشاعر يقع في حب كل النساء ما عدا زوجته. - الشاعر فقط؟
وضحكت، ومالت برأسها إلى الوراء، وأخذ يدها من فوق المائدة، وقربها من شفتيه، وقبلها ثم قال: هل وافقت؟ - هل وافقت أنت؟ - على أي شيء؟ - على نقائصي؟ - كل منا له نقائصه. - ولكني لا أومن بالحب.
ونظرت إليه وسحبت يدها من يده، ثم قالت: ولكني قد أمل الحياة معك؛ فأنا بطبعي سريعة الملل. - لن تملي معي الحياة أبدا. - إنك مغرور جدا. - لست مغرورا، ولكنها الحقيقة التي لا يصدقها الناس إذا صدرت من صاحبها.
وضحكت، ثم قالت وهي تثبت فصيها الماسيين في عينيه: بل إنها الكذبة التي أصدقها، أو التي أريد أن أصدقها.
وضحكا، وأخذ يديها الصغيرتين في يديه، وقبلهما، وقال لها في صوته العميق الدافئ: يا زوجتي العزيزة ...
ونظرت إليه في دهشة، وقالت: بهذه السرعة؟!
قال وهو ينهض واقفا: أي سرعة؟!
لقد ضيعنا وقتا طويلا في الطريق!
Unknown page