فتنهد الرجل بحسرة وقال كالداهش: ولكن من أين له المال الذي ينفقه على ممثلة؟ - أظن أن العلاقة بينهما لم تجاوز خطى التعارف الأولى؛ ولهذا أهبت بك أن تدركه ولما يهو.
فقال الشيخ بلوم وحزن: لقد سكت يا شيخ شلبي أكثر مما ينبغي، كان يجب أن تحذرني من بادئ الأمر.
فقال الأسطى بيقين: أقسم بالله أني ما علمت بسقطته حتى بادرت إلى الكتابة إليك.
وعند ذلك نزل الستار فوجه الرجلان انتباههما إلى الشاب الموليهما ظهره. وما لبثا أن رأيا نور الحياة تسير إليه في مشية الإوزة العصرية وتجلس قبالته، ونظر الأسطي شلبي إلى الشيخ طه فرآه ينظر إلى المرأة نظرة فاحصة، وسمعه يصرخ صرخة مكتومة ويهتف بصوت مبحوح مرتجف: يا رحمة الله!
ورآه يقف مرتعش الأوصال زائغ البصر، فأشفق من عاقبة التهور، وقال له بتوسل: هدئ من روعك يا شيخ طه!
ولكن الشيخ طه لم يستطع أن يهدئ روعه، وسار كالمترنح حتي وقف خلف ابنه الذي لا يحس به، وألقى على الممثلة نظرات وحش مفترس، وألقت عليه نور الحياة نظرة احتقار عاجلة من النظرات التي تدخرها للمتطفلين، ولكنها علقت بوجهه ولم تبرح، وعبثا حاولت أن تحول عينيها عنه كالمستهوي، وعجب الأسطي شلبي لما رآها تتلبسها حالة دهشة وفزع كتلك التي تلبست الشيخ طه حين وقوع نظره عليها، فحار لأمرها، وقال لنفسه بقلق: «ليست هذه مسألة عبد المعز.»
وفي تلك الأثناء التفت عبد المعز إلى الوراء فوقعت عيناه على أبيه، فجمد في مكانه كالصنم، ولكن أباه لم يباله كما توقع، واكتفى أن أمسك يده بقسوة ووضعها في يد شلبي، وقال بشدة لا تحتمل المراجعة: اسبقاني إلى البيت.
فمضى الأسطي شلبي مع الشاب المرتعب وهو يتمتم: «خلصنا من الابن طلع لنا الأب.»
ولما خلا الشيخ والممثلة قال الرجل باحتقار: السلام عليك أيتها الفاجرة التي ما كنت أظن أن الله سيبتليني برؤيتها مرة أخرى.
ولم ترد عليه المرأة الهائلة، بل استكانت وبدا عليها الذهول والقلق، وتعلق عقلها بالشاب الذي ذهب، فعاد الرجل يقول باللهجة نفسها: حقا هذه البؤرة التي أعدت لأمثالك، لقد كنت يوما ريفية بسيطة، ولكن نفسك كانت ملوثة تبرأ منها نفوس الريفيات جميعا. كنت فاجرة بالطبيعة والفطرة، فكان من المحتم أن ينتهي بك المطاف إلى روض الفرج أو إلى هاوية أشد وعورة، أيتها الفاجرة.
Unknown page