فسألها بلا اكتراث في الظاهر: ومن الضابط الذي يظهر أحيانا كثيرة في هذه الشرفة؟ - أي ضابط؟ .. لا أدري لعله ابن المفتش.
فوقع تجاهلها من نفسه موقعا أليما، واشتد غضبه اشتدادا لا يستند إلى أسباب معقولة، فقال: لا أشك في أنه ضابط أحمق وقح.
فبدت الدهشة على وجهها وسألته: ما الذي يغضبك عليه؟
فقال بحدة: رأيته مرارا ينظر إليك نظرات وقحة سافلة، جعلتني أفكر جديا في نقل حجرة النوم إلى الجهة الأخرى.
فقالت بلهجة استياء: ولكنه تعب لا مبرر له، وأرى أنه يتضمن إهانة قاسية لي يا بك. - كلا يا هانم، ما أردت هذا قط، ولكني أحب أن تتمتعي بحريتك بعيدا عن تطفل العيون.
فهزت منكبيها استهانة وقالت: افعل ما بدا لك.
وتحققت مشيئته، ولكن آلمته استهانتها، واعتقد أنه تسرع تسرعا معيبا ورطه فيه الغضب، وأحس من تصرفه بخزي أليم، وكبر عليه أن يمتلئ رعبا من نظرة يرسلها هذا الشاب المغرور، وما عسى أن يفيده نقل حجرة من مكان إلى مكان؟ وهل يعني هذا زحزحة الحب من موضعه إذا كان أنشب أظافره في لحم قلبها الطري؟ .. هيهات.
ولم تهادنه شكوكه ومخاوفه. وقد ثقلت عليه وطأتها يوما، وكان يجلس في قهوة لونابارك مع محام كبير، فاستأذن بغتة وقام إلى سيارته التي انطلقت به إلى قصره وبلغت شارع السرايات، وكان الوقت أصيلا، ونظر خلال زجاج النافذة فرأى زوجته في شرفة المكتبة ونظر الناحية الأخرى فرأى الشيطان.
وكان يعهد في زوجه البرود والرزانة والسيطرة على الأعصاب، وكانت كعهده بها فلم تفاجأ بحضوره، وسألته بإنكار: خير .. ما الذي أتى بك قبل ميعادك؟
فانفجر غاضبا وسألها بغيظ وحنق: قولي لي أنت ما الذي أتى بك إلى هذه الشرفة؟
Unknown page