تعالى سريعا صوت عويل حاد إلى أن ملأ الهواء. وفي غضون دقائق ظهرت طائرة فضية ذات أجنحة متعددة الأوضاع، ثقيلة الحركة، وكل جناح مستطيل ضخم من أجنحتها مزود بمحرك ضخم بصلي الشكل، على ارتفاع منخفض فوق الكتلة الداكنة للغابة. كانت تومض على نحو متواصل بالضوءين الأحمر والأصفر، وتوقفت فوق الحقل، وقد مالت أجنحتها حتى اتخذت وضعا عموديا وانخفض صوت المحرك حتى بات يصدر هديرا منخفضا. أحدثت كشافاتها دائرة من الضوء قطرها عشرة أمتار أخذت الطائرة تنخفض نحوها، مثيرة سحبا من الرمال أحاطت كالزوبعة بجونزاليس. انخفض هدير المراوح المقلوبة إلى درجة الهمس، وركعت الطائرة مصدرة صريرا على عجلات الهبوط، بحيث صارت مقصورة القيادة في مستوى الأرض تقريبا. أمسك جونزاليس بأمتعته وسار نحو الطائرة. تدلى من الطائرة سلم مصدرا هسيسا هيدروليكيا، وارتقى جونزاليس درجاته إلى داخل تجويف الطائرة.
سأله الطيار: «ميخائيل جونزاليس؟» كان الطيار قد رفع نظارة الطيران متعددة الوظائف إلى جبهته؛ حيث بدت عدساتها البيضاوية العاكسة وكأنها زوج ثان من العيون الخالية من أي تعبير، وقد تدلى خيط رفيع من الألياف الضوئية من إطارها. وأسفل النظارة كان وجه الطيار بنيا ومليئا بالندبات؛ فكر جونزاليس في نفسه قائلا: «لن تجدي أي مساحيق تجميل مع هذا الرجل.» كان الطيار يرتدي قميصا «استوائيا» باليا تتراقص فيه طيور بشروش وردية اللون على خلفية زرقاء داكنة.
قال جونزاليس: «هذا أنا.» ثم لوح بالحاوية المقاومة للصدمات التي يحملها في يده اليمنى فضغط الطيار على مفتاح يفتح قمرة الأمتعة. وضع جونزاليس الحقائب في القمرة المعدنية وشاهد شبكة الأمان وهي تشد بإحكام حول الحقائب والباب وهو ينغلق. جلس على مقعد خلف الطيار في أول صف من صفوف المقاعد الثمانية. انضغطت حاشية المقعد عند جلوسه عليها، ومن ظهر المقعد المواجه له انبعث صوت نسائي يقول: «ينبغي أن تربط حزام الأمان. لو كنت تريد أي تعليمات فقل هذا الآن من فضلك.»
أغلق جونزاليس القفل ذا الشكل شبه المنحرف في الموضع الذي يلتقي فيه حزام الكتف مع حزام الحجر، ثم فرد ذراعيه وشعر بالعرق يجف على جلده داخل الحيز الداخلي البارد للطائرة. قال الصوت: «أشكرك.» •••
كان الطيار يتحدث مع المراقبة الجوية بمطار مياونج يو بينما أخذت الطائرة ترتفع في الشفق الذي يعلو المدينة. اختفى الوهج الأبيض المريح الآتي عبر النافذة الزجاجية العلوية ولم يتبق إلا البقايا الأخيرة من ضوء الشمس البرتقالي المار عبرها.
كان سطح المعبد ممتدا تحتنا، تغمره الظلال والظلمة، وقد امتدت أبراج المعبد والباجودا نحو الضوء، بكسوتها الجصية البيضاء والذهبية المخضبة باللونين الأحمر والبرتقالي.
قال الطيار: «هذا منظر جميل يا رجل.»
قال جونزاليس: «أنت محق.» كان المنظر جميلا بالفعل، لكنه شاهده من قبل، علاوة على ذلك فقد قضى بالفعل يوما طويلا.
أنزل الطيار نظارته على عينيه، ومالت الطائرة إلى اليسار واتجهت صوب الجنوب على امتداد النهر. رجع جونزاليس بظهره إلى الوراء في مقعده وحاول الاسترخاء.
حلقا فوق مياه سوداء، على امتداد نهر إيراوادي، إلى أن عبرا مسار طيران دولي إلى بانكوك. كاد النعاس يغالب جونزاليس وهو في جوف الطائرة المظلم حين سمع الطيار يقول: «اللعنة، ثمة شخص هنا. إحدى الجماعات المتمردة المقاتلة على الأرجح، لا توجد شفرات تعرف. لا بد أنهم يستخدمون طائرات فائقة الخفة؛ فراداراتنا لم تتمكن من رصدهم. لكن لدينا الآن صورة.»
Unknown page