Hallaj
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
Genres
وتحولت مساجد بغداد ومدارسها وندواتها إلى ساحات للحرب الفكرية، بين فرق وألوان ومذاهب لا حصر لها ... وإلى ساحة بغداد، بل إلى ساحات الصراع المشبوب الأوار دلف الحلاج، تحيط به حاشيته، وتسبقه دعوته! واهتزت عمائم العلماء في أروقتهم الفكرية، وتطلعت حلقات الصوفية وأرهفت سمعها، وترددت همسات في قصر الخلافة، وتخاطفت الجماهير الأحاديث الملونة عن الرجل المبارك، صانع المعجزة والكرامة!
ومن ثم رأينا التاريخ يحدثنا عن شيوخ كبار من البيئات الصوفية والفقهية، وعن أئمة من أساتذة الكلام والتوحيد والفلسفة، وهم يسعون إلى الحلاج ويلتمسون لقاءه والتحدث إليه! وفي شهواتهم جدل عنيف، وفي عقولهم تحد غليظ، وفي قلوبهم تلهف حار، يحاول أن يتعمق فهم رسالة الداعية الذي تحيط به الرعود والبروق.
وتعددت الاجتماعات، وتوالت الندوات، وطال الجدل والحوار، والتهبت الكلمات، واختصمت العقول وتفرقت القلوب، وأصبحت الخصومة سافرة؛ فقد جاء الحلاج إلى بغداد يحمل منهجا ورسالة، ويندفع إلى عنف في هدف وغاية.
ولم تكن البيئات العلمية في بغداد على استعداد عقلي لأن تسلم للحلاج بمنهجه الصوفي، بنسكه ومواجيده وأذواقه، ولم تكن المجتمعات الصوفية في بغداد على استعداد نفسي يؤهلها لأن تسهم مع الحلاج في دعوته الإصلاحية، وأهدافه الثورية.
المنهج الحلاجي
ومن ثم حفظ لنا تاريخ الحلاج - رغم غموضه وتمزقه - مناظرات وجدليات خاض الحلاج غمارها ضد مفكري عصره وعلمائه ومتصوفيه، كما حفظ لنا تراثا حلاجيا يشكل منهجا فكريا متكاملا متناسقا، له طابعه العلمي، وخصائصه الروحية!
وهذا المنهج الحلاجي الثقافي يتسم في كل جزئية من جزئياته بذلك الوجد الصوفي، والحب الإلهي، الذي استأثر بعقل الحلاج وقلبه وروحه، استئثارا ملحا عنيفا.
الحلاج وعلماء الكلام
وعلى ضوء هذا المنهج نستطيع أن نتفهم محاولات الحلاج مع علماء الكلام، في الأمر والإرادة والمشيئة الإلهية، وفي أفعال العباد وتعلقها بالقضاء والقدر.
فالحلاج يعتمد على التجربة الصوفية المباشرة، لحل مسألة الصلة بين اللطف الإلهي والقضاء والقدر ... تلك المشكلة التي ترجع إلى النزاع بين الخير الذي يأمر به الله - الأمر - وبين الشر الذي يتنبأ بوقوعه - الإرادة - ويرضى الحلاج بهذا النزاع بدلا من أن يخفيه، فهو يعلم ألا حيلة للعلم في الوصول إلى الماهية الإلهية، بل إن الحب هو الطريق إليها؛ إذ ليست المعرفة الفكرية للقضاء الإلهي هي التي تقربنا من الله، بل إنما هو خضوع القلب للأمر الإلهي في كل لحظة؛ لأن الأمر غير مخلوق، بينما الإرادة مخلوقة ...
Unknown page