Hallaj
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
Genres
لعمرك بي إلى أمر جسيم
كان الحلاج يتلمس طريقه إلى أمر عظيم جسيم، طريقه بشقيه الصوفي والإصلاحي، وقد اعتزم في إصرار حاسم، أن يبلغه أو يهلك دونه.
الحلاج يستعرض المنهج والرسالة
آمن الحلاج - وهو يشق طريقه إلى الله على أجنحة من رياضاته العنيفة الشاقة، وأشواقه القلبية المتقدة - أن هناك صلات لا تنفصم بين الكمال الروحي الذي ينشده، والإصلاح الإيماني الذي يستهدفه.
إنه ليحس بأن في أعماقه قوى ضخمة، تفور وتتصارع، وتتهيأ للحركة والوثوب ... ويشعر بأن هناك في أبعد عمق من نفسه وقلبه ووجدانه تتفجر ينابيع، وتتدفق تيارات وثورات، يرى بعين خياله وبصيرة أحلامه أنها ستغير وجه الحياة - حياته، وحياة الناس كافة!
لقد آن للعالم الإسلامي أن يبعث من جديد، على نور من كتاب الله وحبه، وشعاع من حياة الرسول وهديه، وما أروع وأجمل أن تتحقق أحلام الحلاج! فتشهد الدنيا أمة قرآنية تقوم بعين الله ورعايته، يحكمها ويوجهها أقطاب عباد أتقياء أصفياء، يحبون الله ويحبهم، ويملئون الكون بمواجيدهم وضراعاتهم، وأنوار إلهاماتهم، ويحملون الناس على الجادة والطريق الذي اصطفاه الله وارتضاه، فلا تفترق السياسة عن الصلاة، ولا الحكم عن الحب، ولا العمل عن العبادة، فتتحول الدنيا من غاية للشهوات والصراع ولهو الشياطين إلى مساجد للحب والسلام ونجوى الساجدين العابدين.
إنها أحلام الحلاج التي تملأ عليه آفاقه، والتي تعيش في أعماقه، وتبعث الحركة والاضطراب في حياته، ترى هل هو أهل لها بعد؟ وهل يستطيع النهوض بها، فتتحول الأحلام والأماني إلى حقائق حية، تسعى وتعيش وتخلد؟
وهل تستطيع الصوفية، وهل يستطيع المنهج الصوفي أن يقدم له القاعدة الصلبة التي يرتكز عليها، حتى يثب من فوقها؟ لقد جاهد الصوفية أنفسهم في سبيل التصفية والتحلية والتطهر جهادا خالدا لم تعرف صحف الجهاد النفسي مثيلا له من قبل، وفرضوا على أنفسهم مناهج في السلوك، وآدابا في الطريق ، وواجبات في العبادات، وأخلاقا في الحياة، هي أسمى تصورات الكمال التي عرفها هذا الوجود ... وامتلأت أيديهم بثورة ضخمة من التجارب العلمية الكاملة التي قاموا بها وحدهم وهم يصعدون معارج الوصول إلى أفق الحب الإلهي، وسموات الإلهام والنجوى ... وتركوا للإنسانية زادا صالحا من معارفهم وإلهاماتهم وعطرا زكيا من أورادهم وعباداتهم، وسيرا وصحفا لهم تشع هدى، وترسل نورا، وتهدي طريقا.
ثم عاش الصوفية بعد ذلك حياتهم داخل أنفسهم أو داخل حلقات دروسهم، وساحات مريديهم، ولم يمدوا أعينهم إلى ساحة الحياة الكبرى، وإلى ميادين جهادها الأخرى.
ولقد آمن الحلاج بأن المنهج الصوفي بكمالاته في الأخلاق والعبادات والجهاد الروحي، وبمواجيده وأذواقه، ومعارفه في الحب الإلهي، إنما يمثل وجها واحدا من الدعوة الإسلامية، ووجها واحدا من حياة الرسول - صلوات الله وسلامه عليه، إنه يمثل مرحلة الإعداد فحسب! ثم تأتي في أعقابها مرحلة الكمال، مرحلة الجهاد العام لتبليغ لدعوة، وحمل الناس عليها، والدفاع عنها، فلو اكتفى الأنبياء والأولياء والصالحون المصلحون والزعماء بأنفسهم ولم يحملوا ما تلقوا وما تعلموه وآمنوا به إلى الناس، ولم يجاهدوا في سبيله حتى تعلو كلمات الله، وتسود تعاليمه ورسالاته لفسدت الأرض، وامتطاها شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف الأرض غرورا ...
Unknown page