Hakadha Takallam Zaradusht
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
Genres
المجرم الشاحب
أفما تريدون أن تنزلوا القصاص، أيها القضاة والمضحون، ما لم يهز الحيوان رأسه؟ إليكم رأس المجرم الشاحب، إنها لترتعش، وها إن أفظع احتقار يتكلم في نظراته.
إن عيني المجرم تقولان لكم: ما الشخصية إلا شيء وجب علينا أن نتسامى فوقه، وما شخصيتي إلا عظيم احتقاري للبشر.
لقد انتهى أجل هذا المجرم عندما أصدر حكمه على نفسه، فلا تتركوا لتساميه سبيلا يندفع منه إلى الانحطاط. عاجلوه بالموت فهو المنفذ الوحيد لمن بلغ عذابه بنفسه هذا الحد البعيد.
ليكن قصاصكم، أيها القضاة، رحمة لا انتقاما، وإذا ما حكمتم بالموت فلتكن غايتكم تبرير الحياة. لا يكفيكم أن تقيموا السلم بينكم وبين من تقتلون، بل يجب أن يكون حزنكم تعبيرا عن ولهكم بالإنسان المتفوق، وهكذا تبررون الاستبقاء على أنفسكم.
قولوا إن هذا الرجل عدو، ولا تقولوا إنه سافل. صفوه بالمرض لا بالدناءة اعتبروه مختلا لا مجرما، وأنت أيها القاضي، لو أنك تعلن للملأ، وأنت في برودك الحمراء، ما ارتكبت من مآت في تفكيرك، لكنت تسمع الناس يهتفون قائلين: اخلعوا هذا الرجل عن كرسيه فهو ممتلئ أقذارا وسموما.
ولكن الفكرة شيء والعمل شيء آخر، كما أن شبح العمل شيء مستقل بنفسه أيضا، فليس بين هذه الأشياء الثلاثة أية علاقة يصح أن تعتبر علاقة العلة بالمعلول.
إن شبح الجريمة كان صورة لاحت لهذا الرجل فعلا وجه الاصفرار؛ لأنه عندما ارتكب جرمه كانت قوته على مستواها، ولكنه ما أتم الجرم حتى وهنت تلك القوة، فلم يستطع أن يتفرس في شبح جرمه.
لقد لاح لهذا الرجل أنه ارتكب فعلة واحدة لا غير، وبذلك يقوم جنونه لأن الشواذ تحول إلى قاعدة في كيانه. إن الدائرة التي يرسمها المجرم تصبح قيدا لتفكيره كالفرخة يرسم المنوم حولها دائرة فلا تستطيع اجتياز خطها، وهكذا لا يكاد المجرم يخرج من جرمه حتى يدخل في دائرة جنونه.
أصغوا إلي، أيها القضاة، إن الجنون الذي يتلو العمل إنما تقدمه جنون آخر قبله، وأنتم لم تسبروا روح المجرم إلى أقصاها.
Unknown page