Hakadha Takallam Zaradusht
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
Genres
سأشرح لكم تحول العقل في مراحله الثلاث فأنبئكم كيف استحال العقل جملا، وكيف استحال الجمل أسدا، وكيف استحال الأسد أخيرا فصار ولدا.
ما أوفر الأحمال التي تثقل العقل الجلد الصليب وهو مجلى الوقار، فإن صلابته تتوق إلى الحمل الثقيل بل إلى أثقل الأحمال.
يفتش العقل السليم عن أثقل الأحمال؛ فينيخ كالجمل ظهره متوقعا رفع خير حمل إليه. إن العقل السليم ينادي الأبطال قائلا: أي حمل هو الأثقل لأرفعه فتغتبط به قوتي؟ أفليس أثقل الأحمال هو في الاتضاع لإنزال العذاب بالغرور؟ أفليس أثقلها أن يبدي الإنسان اختلالا لتظهر حكمته جنونا؟
أم أثقلها في تخلي الإنسان من مطلب حين يقترن هذا المطلب بالنصر، أم في ارتقاء قمم الجبال لتحدي من يتحدى؟
أم أثقلها في أن يتغذى الإنسان بأقماع السنديان والأعشاب ويتحمل مجاعة نفسه من أجل الحقيقة.
أم أثقلها في احتمال المرض وطرد العواد المعزين، أم في مخادنة الصم الذين لا يسمعون ولا يعون ما تريد؟
أم أثقلها في الانحدار إلى المياه القذرة إذا كانت الحقيقية فيها والرضى بملامسة الضفادع اللزجة والعقارب التي تقطر صديدا.
أم أثقلها في محبة من يحتقرنا وفي مد يدنا لمصافحة شبح يقصد إدخال الرعب إلى قلوبنا. إن العقل السليم يحمل ذاته جميع هذه الأثقال المرهقة، وكالجمل الذي يسارع إلى طريق الصحراء عندما يرفع الوقر عن ظهره هكذا يندفع هو أيضا نحو صحرائه.
وهنالك في الصحراء القاحلة يتم التحول الثاني؛ إذ ينقلب العقل أسدا؛ لأنه يطمح إلى نيل حريته وبسط سيادته على صحرائه.
وفي هذه الصحراء يفتش عن سيده ليناصبه العداء كما ناصب سيده السابق، فهو يستعد لمكافحة التنين والتغلب عليه.
Unknown page