291

Hakadha Takallam Zaradusht

هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد

Genres

وأحس الرجال الراقون عندئذ بأنهم تحولوا عما كانوا عليه، وقاربوا الشفاء وعلموا أن زارا قد بدل من حالهم فأقبلوا عليه يلثمون راحتيه حبا واحتراما فضحك بعضهم وبكى البعض الآخر، وكان الساحر القديم يرقص طربا، ولعله كان مأخوذا بالسكر، على ما ينقله بعض الرواة، ولكنه ولا ريب كان ثاملا من حياته الجديدة بعد أن تخلى عن حياة التراخي والكسل، وقال بعض الرواة: إن الحمار نفسه بدأ يرقص متأثرا مما سقاه أقبح العالمين، وقد لا يكون الحمار استسلم للرقص في ذلك المساء فليس للأمر أهمية ما دامت الحوادث الجسام التي وقعت حينذاك تفوت ما لرقص الحمار من شأن.

إن من آيات زارا قوله: وأية أهمية لهذا .

2

وعندما نطق أقبح العالمين بما ذكرنا كان زارا في حالة اضطراب شديد؛ إذ انعقد لسانه وارتجفت ركبتاه وتماوت نظره، ومن يدري ما كان يدور حينذاك في خلده، فكأنه كان يذهب بفكره مدا وجزرا ويتحفز للطيران، وقد شخص إلى الأبعاد مطلا من الذروة على بحرين أو سائرا كغمام كثيف بين الدابر والمقبل من الزمان.

وأحاط الراقون بزارا يسندونه بسواعدهم إلى أن ثاب رشده إليه فدفع عنه القوم المسارعين إلى تمجيده دون أن يقول شيئا، ولكنه شخص كما يسمع صوتا، فوضع سبابته على شفتيه وصرخ: تعالوا ...

وساد الصمت ودوت من بعيد رنة جرس، فتنصت زارا ومن معه، ثم عاد يقول وقد وضع سبابته على شفتيه ثانية: تعالوا ... تعالوا ... لقد اقترب نصف الليل.

وتغيرت نبرات صوته، ولكنه ظل في موقفه.

وعاد السكوت يثقل على الكل حتى على الحمار والنسر والأفعوان والغار والقمر الباهت والليل نفسه.

ورفع زارا سبابته للمرة الثالثة إلى شفتيه وقال: تعالوا ... تعالوا ... هيا فقد دنت الساعة، هيا بنا إلى الليل.

3

Unknown page