280

Hakadha Takallam Zaradusht

هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد

Genres

إن زارا يحب أعداءه وهو بين من صادفت في حياتي أقدرهم في هذا الفن، ولكنه في سبيل حبه لأعدائه ينتقم من أصدقائه.

هكذا تكلم الساحر الشيخ فصفق له الحاضرون حتى اضطر زارا إلى الدوران في غاره وهو ينفض راحتيه متبرما من أصحابه بعاطفة تمازج شرها بحبها، فكأنه يحاول عذر الناس والاعتذار إليهم في آن واحد، وعندما وصل إلى مخرج الغار شاقه الهواء الطلق وتذكر نسره وأفعوانه فاندفع طالبا الخروج.

بين غادتين في الصحراء

1

وعندئذ صاح المسافر الذي دعا نفسه خيال زارا قائلا: لا تذهب ابق بيننا؛ لئلا تكر علينا أحزاننا بعد أن تولت عنا، فقد أغدق علينا الساحر شر ما عنده حتى إن رئيس الأحبار الوافر التقوى بدا يسكب الدمع من عينيه ويتوه في بحر الشجون، وليس بيننا من احتفظ بحزمه غير هذين الملكين لتعودهما التحكم بسيمائهما، ولو أنهما كانا على انفراد لكانت تبدو عليها ألاعيب الغيوم وتعصف ريح الخريف باكية فوقهما فنسمع إعوالا ونواحا. ابق هنا يا زارا، لا تذهب فهنا ويلات خفية تريد أن تتكلم، هنا ظلمات وغيوم وهواء كثيف يضغط على الصدور.

لقد بذلت لنا الغذاء الإنساني وأتيتنا بالآيات تتدفق قوة وأملا، فلا تسمح أن تجتاحنا في ختام هذه الوليمة روح التراخي والكسل.

ليس لسواك أن ينفخ حولنا هواء القوة والنقاء، فإنني ما نشقت في العالم ما يهب علي في غارك من لفحات صافيات، وقد جبت الأقطار ومررت بمعاطسي على أجواء وأجواء فما راقني شميم إلا حيث تقيم.

لأصدقن القول، لقد راقني مرة مثل هذا الشميم من قبل عندما أنشدت ما أوحي إلي بين غادتين في الصحراء حين ملأت صدري من نسمات الشرق المشبعة عطرا في صفائها وأنا بعيد عن أوروبا الهرمة تكدر جوها الغيوم وترهقها رطوبتها وأشجانها.

ذلك زمان عشقت فيه غادتي الشرق في صحرائه، فهنالك سماء غير هذه السماء لا تتلبد فيها الغيوم ولا تعتكر على أديمها الأفكار.

إنكم لأعجز من أن تتصوروا سحر هاتين الغادتين وهما معرضتان عن الرقص جالستان وفي سكونهما أجمل حركات الفنون، وقد كمن الفكر في صدرهما فكأنهما أسرار وألغاز تتماوج أشكالا وألوانا فلا يعروها قتام، وهكذا الألغاز المستسلمة لمن يحل مكنونها.

Unknown page