Hakadha Takallam Zaradusht

Filiks Faris d. 1358 AH
197

Hakadha Takallam Zaradusht

هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد

Genres

ولذلك يقف المأخوذون بالتواضع وانسحاق القلب داعين الناس إلى الاعتقاد بأن العالم مستنقع أوحال وأوضار، وما الأوضار إلا في عقول هؤلاء الوعاظ الذين لا يحلو لهم أن ينظروا الدنيا إلا مدبرة فما يستهويهم منها إلا قفاها ...

إلا أنني أصرخ بوجه هؤلاء المأخوذين وإن جنحت عن حدود اللياقة لأقول لهم: إن العالم لشبيه بالإنسان فله أيضا قفاه، وفي هذا العالم كثير من الأقذار أيضا، ولكنه ليس مستنقعا يغص بالأوضار على رحبه.

لقد أرادت الحكمة أن يكون في العالم أشياء كثيرة تنبعث الروائح الكريهة منها، فإن الكراهة تستنبت الأجنحة وتولد الشوق إلى صافيات الينابيع.

إن خير من في الحياة لا يخلون مما يوجب الاشمئزاز، بل في أرقاهم ما يجب اجتيازه والتفوق عليه، فمن الحكمة إذن، يا إخوتي، أن تكون الأقذار كثيرة في هذا العالم.

15

لكم سمعت الأتقياء المأخوذين بالعالم الآخر يناجون ضمائرهم بأقوال سداها الضلال ولحمتها الشر، يقولونها مصدقين بها لا مواربين ولا مازحين. «دع العالم على حاله ولا تحرك إصبعا لاعتراضه في سبيله، دع الناس يستسلمون لأية يد تشد على خناقهم، دعهم يتناحرون ويتضاربون ويتعاملون بالسوء ويتسالخون، إياك أن تحرك إصبعا لردعهم، دعهم وما يفعلون فإنهم بذلك ينتهون إلى الزهد بهذا العالم.» «احذر حكمتك؛ لأنها هي أيضا من هذه الدنيا وعليك أن تكبتها وأن تنحرها نحرا؛ لأنك بذلك تتعلم أنت أيضا الزهد بهذا العالم.»

أي إخوتي، تقدموا إلى هذه الألواح القديمة، ألواح وصايا الأتقياء وحطموها تحطيما، بل اقضموا بأسنانكم هذه الوصايا فلا تتفوه شفاهكم بها لأنها كلمات المشنعين بالحياة.

16

سمعت الناس يتهامسون في الأزقة المظلمة قائلين: «من يتعلم كثيرا يفقد شهواته العنيفة كلها.»

ورأيت ألواح وصية جديدة تعلق حتى في الساحات العمومية وقد كتب عليها: «الحكمة مرهقة، ولا شيء يستحق العناء، فلا تعلق شهوتك على شيء.»

Unknown page