Hakadha Takallam Zaradusht
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
Genres
إن من هؤلاء من يتجه إلى الأمام، ولكنه لا يفتأ يتطلع إلى الوراء متلعا عنقه معرقلا سير التابعين.
على الأعين وعلى الأرجل ألا تكذب ذاتها، وما أكثر الكذابين بين الوضعاء!
ولقد يكون بين هؤلاء الناس من يريد ولكن أكثرهم منقاد تعمل إرادة غيره فيه، ولقد ترى بينهم مخلصا غير أن أكثرهم من حثالة الممثلين، فمنهم من يمثل دون أن يدري، ومنهم من يمثل دون أن يريد، وما أقل المخلصين من هؤلاء القوم بخاصة بين فئة الممثلين منهم!
هنا تسترجل النساء لقلة ما يتصف بالرجولة الرجال، وما يحرر المرأة من خلالها ليخلق فيها المرأة الحقيقية إلا من تكاملت الرجولة فيه.
وأخبث ما رأيت بين هؤلاء الناس تظاهر حاكمهم بفضيلة محكومهم، فلا يزال أولو الأمر فيهم يترنمون بتصريف مصدر الخدمة: «خدم، خدما، خدموا؛ نحن نخدم.» وويل للسيد الأول بينهم إذا لم يقل إنه أول الخادمين.
لقد ذهب نظري المتجسس، وا أسفاه! يرود مكامن خبثهم فما خفيت عني سعادتهم؛ فإذا هي سعادة ذباب يترامى بطنينه إلى زجاج النوافذ تتكسر عليه أشعة الشمس، وما رأيت بين هؤلاء القوم إشفاقا إلا وتبينت إزاءه ما يوازيه ضعفا، فتراهم يتعاملون بالإنصاف والعطف كحبوب الرمال تعطف واحدتها على الأخرى.
وما رأيت رجلا فيهم إلا وهو يدعي القناعة فيما أصاب من نذر السعادة، غير أنه لا يني في قناعته يحدج بعين الشهوة قليلا من السعادة يضيفها إلى ما يملك، وما يطمع هؤلاء الناس إلا بأن يتقي بعضهم شر البعض الآخر، فهم لذلك يلجئون إلى التعامل بالحسنى، أما أنا فلا أرى إلا الخور والجبن في هذه الطريقة، وإن كانوا يعرفونها بالفضيلة فيما بينهم.
وإذا صدف وتخاطب هؤلاء الناس بشيء من الخشونة، فإنني لا أتميز في نبرات صوتهم إلا أثر التهاب الحلق، فإن أقل لفحة تصيب هذه الأعناق تبح أصواتها، وما أشد هؤلاء القوم حين يحتالون ويمكرون! ففي أناملهم كل الرشاقة، ولكن في قبضة يدهم شللا وليس لأصابعهم أن تنطوي على راحتها.
وما الفضيلة في عرفهم إلا ما يولد الضعة والتآلف، وبهذا المبدأ توصلوا إلى جعل الذئب كلبا، بل حتى إلى جعل الإنسان خير الدواجن الخاضعة لتسلط الإنسان.
إنهم لمغتبطون، إنهم يضحكون قائلين: لقد اتخذنا مقامنا على الحالة الوسطى بين مصارعي الثيران يردون المهالك وبين الخنازير سارحة لا تبالي.
Unknown page