Hakadha Takallam Zaradusht

Filiks Faris d. 1358 AH
154

Hakadha Takallam Zaradusht

هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد

Genres

ولا بد لك إذا ما خلت المدارج تحت أقدامك أن تتسلق قمة رأسك؛ إذ لا سبيل لك للاعتلاء إلا إذا اتجهت إليه وإلى ما وراءه وأنت تدوس على قلبك، وهكذا سيشقيك ما كان يحلو لديك.

إن من أفرط في ادخار جهوده لا يلبث حتى يبتلى بالخمول، تبارك كل جهد يشد العزم، فلا خير في أرض تدر اللبن والعسل، ومن يطمح إلى الإحاطة بأمور كثيرة فليتدرب على إرسال أبصاره إلى ما وراء حدود ذاته، وعلى كل متسلق للذرى أن يتعزز بمثل هذا الحزم؛ إذ لا يسع من يتحرى الأمور متجسسا بفضوله إلا الوقوف عند أسهل الأفكار منالا، وأنت يا زارا تطمح إلى الإحاطة بالعلل وإلى نفوذ خفايا الأمور، فعليك أن تحلق فوق ذاتك فتجتازها متعاليا حتى ترى ما فيك من كواكب وهي تتصاغر في كل أفق دون أفقك الرفيع.

أجل إن ذروتي إنما هي حيث أقف ناظرا إلى الأعماق فأرى فيها ذاتي وكواكبها، تلك هي آخر هضبة أطمح إلى بلوغ قمتها.»

بهذا كان يناجي زارا نفسه، وهو يصعد المرتفع معللا بالتعاليم الصارمة ما في قلبه من جراح.

وعندما بلغ الذروة انبسط البحر أمام ناظريه، فوقف مبهوتا واستغرق في صمت طويل، وكانت السماء لا تزال تتألق بالنجوم والهواء يهب باردا على الأكمة.

وهتف زارا حزينا: «لقد تبينت ما قدر علي، وها أنا ذا مستعد للإقدام فهذه آخر عزلة أقتحمها.

سأنحدر إليك أيها البحر المظلم المنبسط عند أقدامي، أنت الليالي المفعمة بالأحزان، أنت القضاء والقدر أيها الخضم البعيد.

إنني أقصد أرفع جبالي مقتحما أبعد أسفاري فعلي إذن أن أهبط إلى مهاو أبعد في أغوارها من كل ذروة رقيتها حتى الآن.

علي أن أذهب من الأسى إلى أغوار ما رسبت في مثلها من قبل فأصل إلى قرارة ما في الأحزان من ظلمات. ذلك ما قدر علي فأنا على أهبة اقتحامه.

لقد تساءلت فيما مضى عن منشأ الجبال فعرفت أخيرا أنها نهدت من البحار، كما تشهد صخورها وجروف ذرواتها، فما يبلغ الأعلى مقامه إلا لانطلاقه من المقام الأدنى.»

Unknown page