Hakadha Takallam Zaradusht
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
Genres
ما حدث لي يا ترى؟ وما الذي أنقذني من اشمئزازي وأعاد النور إلى عيني؟ وكيف تمكنت من ارتقاء المرتفعات حيث الينبوع الذي لا يحيط به الأوغاد؟
أهي الكراهة نفسها استنبتت جناحي وأوجدت لي القوة للاهتداء إلى مفجر الينابيع ؟ والحق أنني ارتقيت الذروة، ولو لم أبلغها لما وجدت ينبوع الغبطة والسرور.
لقد وجدته، أيها الإخوة، فرأيته يتدفق على الذروة غبطة وحبورا، فاهتديت إلى المكان الذي يتاح فيه للإنسان أن يروي ظمأه دون أن يعكر عليه الأوغاد الأدنياء.
إنك لتسيل بشدة، أيها الينبوع المتفجر بالغبطة فتفرغ الكأس التي تملؤها دهاقا.
علي أن أتمرن على الاقتراب منك بتؤدة، أيها الينبوع، فإن قلبي يندفع بعنف إلى مسيلك. لقد استولى اليأس مع الحبور على هذا القلب الذي تمر عليه بحرها أيام صيفه، فهو يتشوق إلى مياهك تنزل عليه بردا وسلاما.
لقد انقضت أحزان ترددي في الربيع وأذاب الصيف ثلوج نقمتي، فأصبحت وكل جوارحي تتوق إلى الاصطياف. إن خير الراحة ما تنتجع في أعالي الجبال قرب الينابيع الباردة. إلي أيها الأصحاب لنحول هذه الراحة إلى غبطة وحبور فهذه ذروتنا، وهنا موطننا حيث نعتصم بالصخور فلا يبلغها الأرجاس ولا يصل إليها عطشهم المدنس.
أرسلوا أنظاركم الطاهرة على ينبوع مسرتي، أيها الأصحاب، فإنها لن تعكره بل تبقي على نقائه فيبتسم لكم.
هنا تتعالى دوحة المستقبل، فلنبن لنا عشا بين أغصانها فتجيء إلينا العقبان حاملة لنا الغذاء، نحن المنفردين.
ذلك عزاء لا يستطيع الأرجاس مقاسمتنا إياه، فهو النار تحرق أشداقهم، وما نعد هنا مساكن للمدنسين، فإن سعادتنا تلفح أجسادهم وأرواحهم، ونحن نريد أن نحيا فوقهم فنهب كالرياح في مسارح العقبان ومطالع الشموس.
إنني سأعصف كالريح الصرصر على الأرجاس فأخمد أنفاسهم بأنفاسي، ذلك هو المقدور. فما زارا إلا ريح عاصفة ترهق الأعماق، وهو ينصح أعداءه وكل متقيئ نافث بألا يبصقوا في وجه الرياح.
Unknown page