قال: «كيف تكون له هذه الحرمة وهو عدو لابن الزبير ولعبد الملك؛ لأنه يزاحم الأول على الخلافة في الحجاز، ويزاحم الآخر على الخلافة في الشام! ألم تسمع بحديث المختار؟»
فقال بلال: «كيف لم أسمع به؟!»
فقال حسن ولم ينتظر إتمام جوابه: «لقد كان المختار يطالب بالخلافة لمحمد بن الحنفية، ثم قتله مصعب أخو عبد الله بن الزبير المحصور في هذا الحرم الآن، وجاء عبد الملك بن مروان فحارب مصعبا وقتله وأخذ العراق منه.»
قال: «صدقت يا مولاي، ولكن المختار طلب من تلقاء نفسه البيعة لابن الحنفية دون أن يكلفه هذا بذلك ولا أراده، وقد لجأ المختار إلى هذه الخطة تمهيدا لاستقلاله بالأمر لنفسه، وعلى هذا حمل الكرسي المشهور أمره عند الناس، وزعم أنه كرسي الإمام علي، كما ادعى ما يشبه النبوة؛ حتى كرهه الناس ونفروا منه.»
فقال حسن: «هل رأيت ذلك الكرسي؟ وهل تعرف أصله؟»
قال: «إن سر هذا الكرسي عندي، وطالما جلست عليه قبل أن يصبح مقدسا كما ادعى المختار.»
قال: «وكيف ذلك يا بلال؟ إنك والله لواسع الاطلاع.»
قال: «إن الذي يعيش طويلا يرى كثيرا. فقد اتفق لي منذ بضع سنين وأنا في المدينة أني اصطحبت رجلا اسمه الطفيل بن جعدة بن هبيرة، وكانت جدته أم جعدة أخت علي بن أبي طالب. وكان يتردد إلى جار له زيات كنت أتردد إليه أحيانا، فأصيب الطفيل يوما بضيق ولم يبق معه ما ينفقه على نفسه. وكان المختار يومئذ قد قام لمحاربة قتلة الحسين، فأراد الطفيل أن يحتال عليه ليكسب منه مالا، فاشترى من جاره الزيات كرسيا قديما كان مهملا عنده ثم غسله وسقاه الدهن حتى لمع، وذهب به إلى المختار وقال له: «إني كنت أكتمك شيئا وقد بدا لي أن أذكره لك؛ إن أبي جعدة كان يجلس على كرسي عندنا، ويروي أن فيه أثرا من علي.» فقال له المختار: سبحان الله لماذا كتمت خبره، ابعث به إلي. فبعث به إليه وقد غشاه بملاءة، فدفع له اثني عشر ألف درهم، فأخذها الطفيل وانصرف، ثم غشي المختار الكرسي بالديباج وزينه بأنواع الزينة، ودعا الناس إلى المسجد حيث أراهم إياه بعد الصلاة وقال لهم: «إن هذا الكرسي من ذخائر أمير المؤمنين علي - عليه السلام. وهو عندنا بمنزلة التابوت لبني إسرائيل.» فصدقوه، وصار إذا حارب خصومه حمل الكرسي معه إلى ميدان القتال وقال لمن معه: «قاتلوا ولكم الظفر والنصر، هذا الكرسي محله فيكم محل تابوت بني إسرائيل، وفيه السكينة والبقية، والملائكة من فوقكم ينزلون مددا لكم» ...»
فقال حسن: «لعلك تعرف ابن الحنفية؟»
قال: «نعم يا مولاي، وقد شهدت كثيرا مما يتناقله الناس من أحاديث قوته البدنية، وأذكر أني رأيته في حياة أبيه علي، وكنت غلاما، وفي يد أبيه درع طويلة فأراد أن ينقص بعض حلقاتها فدفعها إلى محمد وأمره أن ينقص منها كذا حلقة، فقبض محمد بإحدى يديه على ذيلها وبالأخرى على فضلها، ثم جذبها فقطعها من الموضع الذي حدده أبوه. وهو يعرفني أيضا.»
Unknown page