وسكت برهة وقد عظم عليه الأمر ثم قال: «وما الذي دعا أباك إلى بغضي وإلحاق الأذى بي وأنا لم أرتكب منكرا ولا أسأت إليه في شيء؟!»
قالت: «ذنبك أنك أحسنت إليه، أو لعل ذلك من سوء حظي. ولكن ما لنا ولهذا، إن الوقت لا يأذن بطول الشرح، فأخبرك أن أبي لا يريدك، وأخاف أن يسعى في أذاك، وقد علمت ذلك على أثر خروجك من منزلنا، فأردت إطلاعك على جلية الخبر لتكون على بصيرة.»
قال: «أما إلحاق الأذى بي فإني لا أخافه، ولكنني أخاف أن يلحق الأذى بك أنت.»
قالت: «لقد أظهرت له الطاعة والرضا ريثما أراك ثم أفعل ما تأمرني به.»
فأطرق حسن ثم قال: «إني مغلول اليدين بما أخذته على نفسي من أمر السفر إلى مكة عاجلا في مهمة لرجل أحبه وله علي فضل كبير. وكنت أحب أن أدعوك للذهاب معي ولكنني ذاهب إلى مكان به الحرب قائمة فلا أريد تعريضك لهذا الخطر.»
فقطعت كلامه قائلة: «وكيف تعرض نفسك للخطر؟ إن مكة اليوم في أضيق حصار وأهلها في ضنك شديد. بالله ألا عدلت عن الذهاب ثم تفعل ما تريد؟»
قال: «أما الذهاب فلا بد منه، فامكثي أنت هنا وأظهري الطاعة حتى أعود ونرى ما يكون. ولست أخشى بأسا ولا خطرا ما دمت لا تحبين سواي.» ثم سمع جعجعة الجمل فانتبه للوقت وقال لها: «كنت أود ألا نفترق منذ الآن ولكن للضرورة أحكاما. وسأرسل عبد الله معك إلى منزلك؛ لأن الليل قد أظلم ولا آمن عليك المسير وحدك، فهل تسيرين إلى بيت أبيك؟»
قالت: «لا، ولكن أعود إلى بيت سكينة؛ لأن أبي يعلم أني سرت إليها فإذا استبطأني سأل عني هناك فأعتذر عن تأخري، وذلك من غير أن يراني عائدة إلى البيت وحدي في هذا الليل. ولكن كيف أفارقك؟»
قال: «تشددي يا سمية، إن سفري هذا لا بد منه، ولكنه سيكون آخر الأسفار بإذن الله ثم نعود ونعيش معا.»
فلما قال ذلك بكت سمية حتى سمع صوت بكائها فانفطر قلبه، وكاد يشاركها البكاء لولا أنه تجلد وقال لها: «لا تبكي يا سمية، بل اتكلي على الله واعلمي أني عائد إليك على عجل.» قال ذلك ونادى عبد الله وقال له: «أوصل سمية إلى بيت سكينة، ثم الحق بي في الطريق المؤدي إلى العقيق، فإني سابقك إلى هناك، فقد أبطأت على سليمان وأخاف أن يكون قد سبقني أو عاد إلى منزله.» •••
Unknown page