49
ثم ينتقل طنوس إلى قصة أخرى، ذكرها تحت عنوان «حكاية حافظ نجيب مع البرنسس ألكسندرا أفيرينو صاحبة مجلة أنيس الجليس»، وفيها نعلم أن حافظ نجيب تعرف على ألكسندرا أفيرينو، صاحبة مجلة «أنيس الجليس»، عن طريق انتحاله لصفة شقيق إحدى المشتركات في المجلة. وبمرور الأيام زاد التعارف بينهما، فرأى في مكتبها صورة زيتية مرسومة لها، فانتقد الرسام الذي رسمها، ووعدها بأنه سيرسم لها صورة أفضل منها، فانتقت ألكسندرا صورة شخصية لها، وهي مزينة بالأوسمة والنياشين. وبعد فترة اتصل بها حافظ، وأخبرها أن الأوسمة والنياشين غير واضحة المعالم والألوان في الصورة؛ لذلك فهو يرغب في رؤية هذه الأوسمة والنياشين على طبيعتها. وبالفعل أرسلت له ألكسندرا أوسمتها ونياشينها. وبعد عدة أيام ظهر حافظ نجيب أمام الناس مرتديا مجموعة من الأوسمة والنياشين، بعد أن أوهمهم بأن السلطان فلان أعطاه هذا الوسام، وأن الأمير فلان أعطاه هذا النيشان ... إلخ، وعندما تأخر حافظ عن ألكسندرا، شكت في أمره فأبلغت عنه البوليس وتم القبض عليه، وسجن في سجن الحضرة لمدة سنتين.
50
وهذه القصة، رغم أنها تثبت تهمة النصب والاحتيال، إلا أنها جاءت مخالفة لما ذكره حافظ في اعترافاته، بأن الراقصة حميدة هي التي سرقت نيشان ألكسندرا، ورقصت به أمام الناس، وأن فيزنسكي هي التي دفعت ألكسندرا كي تتهمه بتبديد نيشانها، كما مر بنا .
ولم يكتف طنوس بذكر قصص حافظ الموجودة في قصص مجلة «الحاوي» أو في قصص اعترافاته، بل أضاف إليها مجموعة من القصص الجديدة، التي تثبت جرائمه في النصب والاحتيال، ومنها على سبيل المثال «حكاية الإرسالية»، وهي عبارة عن قصة، قام حافظ نجيب فيها بالنصب على إحدى الإرساليات المسيحية، حيث حصل من رئيسها على مبلغ كبير من المال، أظهره أمام الناس في الإسكندرية بمظهر الأعيان. ثم استكمل طنوس سرده لقصص النصب والاحتيال في حياة حافظ نجيب، تحت مجموعة من العناوين، منها: حكاية العصا، في نادي الميسر، حادث الكمبيالة.
51
وقد أدلى طنوس برأيه في حافظ نجيب، وتناقض تصرفاته، قائلا: «ومن غرائب أمره أيضا، أنه عندما بدأ يحترف صناعة النصب، كانت أطواره غريبة تدعو إلى الدهش الكبير. فقد كان يظهر اليوم لناظريه والذهب يغطي أديم أصابعه ويزين صدره وجميع ملابسه، فلا تغرب شمس الغد إلا وقد باع كل ذلك، وأنفقه مع ما كان معه من المال، وعلى من؟ على فتيات الهوى؛ لأنه كان مولعا بإنفاق الذهب الرنان بالمئات في قهوات الرقص. وما ذاك إلا لاعتقاده أن هذه القهوات، تظهره للناس بمظهر الوارثين والأغنياء ... بينما كنت تراه رث الثياب، خاوي الوفاض، وعلى وجهه ملامح الكآبة واليأس، تراه بعد أسبوع على الأكثر، وقد ظهر لك بمظهر عظماء الرجال، واقتنى العربات الفاخرة، والمطهم من الجياد.»
52
كما أن ناشر كتاب «نابغة المحتالين» أو طابعه، ذكر أيضا رأيه في حافظ نجيب، بالإضافة إلى ذكر معلومات جديدة - تبعا لمعرفته الشخصية به - قائلا تحت عنوان «كلمة الطابع»: «كان حافظ ولا ريب، في بدء حياته شابا نبيلا، كريم العواطف، شريف الأخلاق ... ولا يبعد أن يكون حافظ ... ربيب الكرم والرخاء؛ لأن دخوله إلى المدارس الكبرى، وحصوله على الشهادات العالية، يدلان على أن الذين كفلوه في صغره قوم كرام النفوس، وعلى سعة من العيش. فإذا ثبت هذا كان دخول حافظ في زمرة المحتالين والنصابين، لا للغرض الذي يسعى إليه غيره، وهو حشد المال؛ لأن التحقيقات القضائية التي أجرتها النيابة العمومية، والحوادث العديدة التي رويت عنه، تدل على أنه كان ينفق بإسراف كل ما يحصل عليه من المال، حتى بلغ منه البذخ إلى أن ينفق في اليوم الواحد من خمسين إلى مائة جنيه أو يزيد. فهو على ما يظهر، وفق في أول أمره إلى سلب مبلغ من أحد من الناس، فظن أن الاحتيال على عباد الله أمر ميسور، وأنه من السهل عليه، نظرا لما أوتيه من الذكاء والاقتدار، أن يجعل احتياله قانونيا، بعيدا عن غائلة العقاب، فلا يدع فيه مجالا لدخول رجال البوليس، ولكن تهوره في الاحتيال، جره في آخر الأيام إلى السجون. وها هو لا يزال إلى اليوم شريدا.
ومن غريب أمره أنه يأنف الابتعاد عن بلاده، ولو ظل فيها هدفا لسهام البوليس، وكوارث السجن. يدلنا على هذا أنه بعد أن خرج من الأديرة القبطية، حاصلا على مبلغ كبير من المال، ناله من بعض رؤسائها ورجالها ... لم يشأ أن يهرب إلى بلد غير مصر، ويعيش تحت سمائه حرا، خاليا من كل تعب، بعيدا عن كل خطر. بل نزل في أعظم فنادق العاصمة، وأخذ ينفق المال بغير حساب، حتى اضطر في نهاية الأمر إلى الاحتيال على إحدى السيدات الفرنسويات، احتيالا وقع من أجله في أيدي البوليس، الذين كانوا يبحثون عنه ليل نهار. إن نابها كحافظ نجيب، لو استخدم ذكاءه في الخير، نفع أمته ونفسه. ولكن الظاهر أن كثيرين من الأذكياء، كان ذكاؤهم اختصاصيا بالشر، فلا يعرفون معنى الخير، ولا يميلون إليه. ولله في عباده شئون.»
Unknown page