وقالت العمة: اخلد أنت للراحة.
ذلك حق، وعليه أن يقاوم. إرادة الحياة فيه ترفض اليأس والاستسلام. ليكن ما يكون، والأمر لا يخلو في النهاية مما يشبه المزاح.
وأغمض عينيه تاركا الأحداث تتشابك في الخارج بعيدا عنه رغم أنه محورها. وسرعان ما هرع الزملاء إلى البيت لعيادته، ولما كانت زيارته ممنوعة فقد حمل إليه طوفان من البطاقات. قرأ الأدعية والتمنيات الطيبة. وتذكر سعفان بسيوني وحمزة السويفي، وعاودته ذكريات لم يرتح لها، وتساءل كيف حال حمزة السويفي؟ هل ما زال على قيد الحياة؟ وثمة موظفون جدد يلحقون اليوم بالعمل لم يعرفوه وربما لن تتاح لهم معرفته، وفوق ذلك كله تجري السحب في السماء وتختفي وراء الأفق، وقد فهم الساعة فقط مغزى حركة الشمس.
وأغمض عينيه حينا ثم فتحهما فرأى قدرية جالسة على كثب من الفراش ترنو إليه. قرأ في عينيها الذهول الناعم المعتم غير المبالي بشيء كالقمر المجلل بسحابة شفافة. أدرك أنها تناجي الملكوت وأنه لا خوف منها. وبدا أنها - إلى ذلك - شحنت بتوصيات طبية إذ سألته بهدوء: كيف حالك؟
فابتسم مرتبكا وقال بامتنان: بخير، شكرا لك!
قالت تعاتب المجهول: قيل لي إن نقلك إلى بيتك «الأصلي» غير محمود العواقب، وكان بودي أن أسهر عليك! - أشكرك يا قدرية، خيرك سابق! - انعم بالراحة حتى يأخذ الله بيدك ..
وهزت رأسها بحكمة غير معهودة ثم استطردت: لك العذر، أنا فاهمة كل شيء، إنك تريد ولدا، ولك الحق، وربنا يحقق رغبتك .. - أنت طيبة وإنسانة يا قدرية ..
ولاذت بالصمت ثم راحت في ذهول معبق بشذا الفردوس. وشعر بارتياح عميق لانكشاف السر ولتجاوزه منطقة الحرج المليئة بالاحتمالات المتفجرة. ولكنه من ناحية أخرى أدرك معنى مرضه بكافة أبعاده. - أي أمل يبقى للدرجة؟!
أجل .. أجل .. - وأي أمل يبقى للإنجاب؟!
وقال لراضية: لم أشعر بنذير تعب ولو من بعيد! - الطبيب لم يعجب لذلك .. - وعرفت المعنى الحقيقي للمباغتة والغدر! - إنها سحابة سرعان ما تمر وتختفي .. - الحق أني آسف لك جدا .. - أنا؟! .. إن ما يهمني هو صحتك وسعادتك.
Unknown page