تربعت فوق الحشائش ووهبت حواسها وروحها للماء والخضرة والسماء المنقوشة بالسحائب المبعثرة، وهو ينظر إليها بإعجاب وافتتان، وتحدثه عن سحر الطبيعة فيجاملها بالموافقة، ويجول بنظره في الآفاق فيرى مناظر لم تجذبه من قبل ولا يشعر نحوها بسحر ما، أجل إنه منغمس دواما في الداخل، في أفكار محدودة وخيالات تنفثها الغرائز، في الله ومجده الدنيوي المقدس وصراع الخير والشر والفساد، عدا ذلك فهو لا يرى من الدنيا شيئا. - أنت تحب الطبيعة ولا شك. - أنا أحبك .. - انظر إلى العشاق! - ما أكثرهم!
أنامت راحتها على يده وقالت: لننس همومنا في هذا الجو المنعش. - أجل لننس!
ولكنك في الواقع حزين ..
تنهد ولم ينبس، فقالت: إنك موظف كبير، في الدرجة الأولى، غيرك كثيرون يسعدون بما دون ذلك بكثير.
أوشك أن يقول لها أن الإيمان الحق نقيض السعادة التافهة ولكنه أمسك، ثم قال: لست كغيري من الموظفين، والحيلولة بيني وبين الوظيفة التي أستحقها عمل دنيء فيه اعتداء صارخ على النظام الأخلاقي للدولة .. - ألست تغالي في تقديرك للوظيفة؟ - الوظيفة حجر في بناء الدولة، والدولة نفحة من روح الله مجسدة على الأرض!
ورمقته بدهشة فأدرك أنها لا تدري مدى إيمانه ولا مضمونه. قالت: إنه لمعنى جديد بالقياس إلي، ولكني سمعت كثيرا أن روح الشعب من روح الله!
فابتسم بازدراء وقال: لا تحدثيني عن الصراعات السياسية .. - ولكنها الحياة الحقيقية .. - ما هي إلا صخب زائف .. - الدنيا من حولنا ...
فقاطعها بنفاد صبر: الدنيا الحقيقية في أعماق القلب ..
وغص قلبه في صدره عندما تصور إمكان أن تراه «مجنونا» كبعض الحمقى فقال لها متهربا ولائذا بأمل جديد: دعينا من الخلاف ..
فابتسمت في استسلام عذب فاستطرد: آن لنا أن نعلن زواجنا ..
Unknown page