وابتسم في افتتان خفي بجاذبيتها واستطرد: لقد شققت طريقي معتمدا على الله سبحانه وعلى عملي .. - يتردد ذلك في كل مكان.
ترى ماذا يتردد أيضا؟! ذلك الذي جعل أم زينب لا ترجع بجواب! ولكن لم تعد لذلك أهمية اليوم. وقال لها: من الإنصاف أن أصارحك بأنني راض عن عملك تماما!
فابتسمت قائلة بسرور: إني مدينة لنبلك بهذا التشجيع!
لا يوجد جو أصفى من ذلك. جو نقي مليء بالوعود. والقلب يستقطر منه مرحا مقدسا. من مثل هذا المنطلق يبدأ العاشق سيره، والزواج الموفق، والصداقة السعيدة. هكذا يصادف الحائرون احتمالات ثرية للسعادة في ظروف غير مناسبة. حين يتفق المكان مثلا ويختلف الزمان، أو العكس، مما يقطع بأن السعادة كائنة ولكن السبيل ليست ممهدة دائما، ومن اللعب بين هذا وذاك يجيء الحظ السعيد أو العبث. ولكن لا يجوز أن ننسى الأخطاء كذلك - أخطاء؟ - أن تنسى سيدة وأصيلة وأنسية.
وبمرور الأيام جعل يقول لنفسه: يا قلبي حاذر.
وكالعادة راح يخاف راضية بقدر ما يودها. وكالعادة ترك نفسه للتيار ليفصل في مصيره قدر مجهول ..
35
وتتابعت الأيام بين عمل في الإدارة وأحزان في البيت وأشواق تندلع في القلب. وبدا أن الكون قد توقف وأن عبد الله وجدي قد رسخ في وظيفة المدير العام مثل الهرم الأكبر. وقال بحزن: لا بارقة أمل.
أين تقع المعجزة هذه المرة؟! وها هو لم يبق من السواد في رأسه إلا شعيرات معدودات، وقد ضعف بصره فاستعان بنظارة، وفقد جهازه الهضمي نشاطه المعهود فعرف العقاقير لأول مرة في حياته، وعلاه احديداب لطول انكبابه على المكاتب ولعدم مزاولته أي نوع من أنواع الرياضة. وكان يقول لنفسه: ما زلت قويا والحمد لله ..
وعلى غير عادة كان ينظر طويلا في المرآة ويقول: ما زلت مقبولا!
Unknown page