إن ما يوفر لنا بعض الطمأنينة هو اعتقادنا بأن الموت منطقي، يمارس وظيفته من خلال مقدمات ونتائج. ولكنه كثيرا ما يدهمنا بلا نذير كزلزال. تمتع إسماعيل حتى آخر لحظة بكامل حيويته. وما حدث له قد يحدث لأي إنسان، أليس كذلك؟ وهكذا فلا ضمان ألبتة لصحة أو لخبرة أو لعلم. وهزه الخوف من أعماقه. - خير تعريف للحياة أنها لا شيء ..
ولكن هل وقع جديد لم يكن له به علم؟ كلا غير أنه ليس من سمع كمن رأى. وسيستمر خوفه يوما أو يوما وبعض يوم. وفي تلك الساعات تتساوى المكاسب والخسائر، والمسرات والأحزان، وتتوارى معاني الأشياء. - ما قيمة ما بذلت طيلة العمر من جهد وتفان؟!
ولازمته وساوسه في الجنازة، والمأتم، وحتى أحاديث الموظفين المتنوعة في المأتم لم تلغ وساوسه، ولكنه شعر بامتنان لأنه ما زال حيا. - ما البطولة الحقة؟ .. هي أننا نعمل بلا هوادة رغم علمنا بكل ذلك.
وسرعان ما طرد التفكير في درجة مدير الإدارة ما عداه. إن الوكيل الأول مرشح لوظيفة في القضاء، والطريق واضح بعد ذلك، وهو أن يرقى إلى الثانية ويندب مديرا للإدارة فيستحق الترقية إليها بعد مضي عام على شغلها.
تجسد له الأمل حقيقة ملموسة.
ولكنه بوغت بقرار تعيين مدير إدارة جديد نقلا من وزارة المواصلات ..
31
لا .. لا .. لا ..
ذاك ما لم يخطر له ببال. وحقد على حضرة صاحب السعادة بهجت نور ولعنه ألف لعنة. هو من كان ينبغي أن يدافع عنه. عليهم اللعنة .. هل يتصورون أن يعمل لحساب غيره طول عمره؟ ومن هو المدير الجديد، من يكون عبد الله وجدي هذا؟ كيف يقدم له نفسه كمرءوس؟ إنه لشيء مخجل. الخجل يطارده في أروقة الوزارة، وما أكثر الشامتين.
ودعاه بهجت نور إلى مقابلته وقال له: إني آسف جدا يا أستاذ عثمان ..
Unknown page