فرفع إليه بصره مغمغما برد تحيته، فقال الآخر يقدم نفسه: عثمان بيومي رئيس المحفوظات.
فقرأ في ارتفاع حاجبيه المستقيمين ابتسامة لم ترسم على شفتيه، فقال مستزيدا من تقديم نفسه: الجديد يا افندم. - والمترجم. أليس كذلك؟
فقال بقلب خافق: نعم يا صاحب السعادة.
فقال بصوت منخفض: أسلوبك جيد .. - إنه لشرف عظيم هذا التشجيع .. - هل لديك مراسلات هامة؟
راح يفتح المظاريف برشاقة ويعرض الخطابات ويتلقى في دقة التوجيهات. انحنى مرة أخرى ثم غادر الحجرة ثملا بالأفراح. فكر في طريق عودته إلى المحفوظات بأن حمزة السويفي يتراجع - في حياته - إلى الظل حتى يدركه الظلام الذي ابتلع سعفان بسيوني وأن مستقبله أصبح منذ الساعة بيد حضرة صاحب السعادة بعد الله ذي الجلال. وقال لنفسه: احذر يا عثمان مغبة السير الرتيب، لا بد من وثبة أو وثبات ..
وقال أيضا: سعفان بسيوني قضى نصف مدة خدمته في الدرجة التي أسلمته إلى المعاش!
وهو يحفظ عن ظهر قلب أن للإدارة وكيلين ولكن الوثبة لن تأتي إلا عن طريق حمزة السويفي، بأن يرقى أو يحال إلى المعاش أو .. يموت! وامتعض من نفسه كما يحدث له كثيرا، وابتهل إلى الله قائلا: أسألك اللهم العفو والسماح!
وتساءل: لماذا خلقنا على هذه الصورة الفاسدة؟
قل أن يرضى عن طبيعته ولكنه يسلم بواقعها، ويؤمن بأن طريقه المقدس تتلاطم على جانبيه أمواج الخير والشر، وأن شيئا لا يمكن أن ينال من قدسيته سوى الضعف والخور والقناعة والاستسلام للمسرات السهلة وأحلام اليقظة. - اغفر لي ذنبي أنني أحب المجد الذي بثثت حبه في نفسي يا ذا الجلال ..
وتساءل نفسه بتصميم: كيف تقنع حضرة صاحب السعادة بفوائدك؟ .. هذه المسألة.
Unknown page