وعطا نفسه تشاءم من مقدم الرجل؛ لأنه جر وراءه جيش الكفار، جيش نابليون، وقد سأله: ماذا جاء بك؟
فأجاب: قتل الوباء أهلي فعزمت على هجر الإسكندرية.
وتغير الحال عندما تزوج عطا من سكينة ابنة معلمه فتفاءل بمقدمه وأحبه وقال له: قدم خير يا عم يزيد!
ولم ينس يزيد المصري فرجة الصياد فقال لصاحبه: أريد أن أكمل نصف ديني ببياعة السمك.
وخطبها عطا المراكيبي من أمها ثم زفت إليه في شقته ببيت الغورية. ويقول عطا المراكيبي إنه بمجرد أن أغلق الباب على العروسين سمع المدعوون في الصالة الخارجية شخرة تنفذ من ثقب الباب مثل قرقرة الماء في النارجيلة!
وقد وفق يزيد المصري في زواجه وأنجبت له فرجة ذرية كثيرة لم يبق منها إلا عزيز وداود. وامتد العمر بالزوجين حتى شهدا مولد الأحفاد. وفي ليلة رأى يزيد رجلا في المنام قال له: إنه نجم الدين الذي يصلي أحيانا في ضريحه ونصحه قائلا: شيد قبرك جنب ضريحي لنتلاقى كما يتلاقى المحبون.
ولم يتردد الرجل فبنى حوشه الذي دفن فيه، وما زال حتى اليوم يستقبل الراحلين من ذريته المنتشرة في أنحاء القاهرة.
فهيمة عبد العظيم داود
كانت تدعى بعاشقة الورد من طول مكثها في حديقة الفيلا بشارع بين السرايات. وكانت أجمل ذرية عبد العظيم باشا داود، وفي الجمال فاقت فريدة هانم حسام. وربما كانت في الذكاء دون عفت ولكنها كانت أطيب قلبا وأصفى روحا. وقد تربت معها في الميردي دييه، ولنفس الهدف أي إعدادها للحياة الزوجية الرفيعة. وجاء زواجها تقليديا رغم ذلك فخطبت - عن طريق جارة - لوكيل نيابة يدعى علي طلعت. وشيد عبد العظيم باشا داود لها بيتا في بين الجناين كما فعل لعفت وزفت فيه إلى العريس. وكانت الزيجة في غاية من التوفيق، وأنجبت له داود وعبد العظيم وفريدة، ولكن سوء البخت الذي تربص بالأسرة بعد ذلك صار مضربا للأمثال. فقدت فهيمة ذريتها بعد أن اكتمل لها الشباب وأضاء الأمل؛ مات داود بالتيفود وهو طالب في السنة الثالثة بكلية الحقوق، ومات عبد العظيم بالكوليرا بعد تخرجه من العلوم بأشهر، وماتت فريدة بروماتيزم القلب وهي في الثانوية العامة. وأذهل الأسى العميق الوالدين لدرجة الزهد في الحياة، فطلب علي طلعت الإحالة إلى المعاش وهو مستشار في استئناف القاهرة وتفرغ للعبادة والقراءات الدينية في عزلة دائمة ما بين بيته والقرافة، أما فهيمة - وهي من أسرة يقبع الدين فيها منزويا على هامش حياتها - فقد بدأت تتساءل عن المصير، وعن اليوم الذي تجتمع فيه بذريتها الهالكة مرة أخرى، وراحت تقتني من السوق جميع ما فيها من كتب الأرواح وتحضيرها والقوى الخفية، وآمنت أخيرا براضية وتراثها الذي كانت تتابعه فيما مضى بابتسامة وسخرية. وقال لها أبوها عبد العظيم باشا: الصبر يا بنتي، وددت لو كنت الفداء لأبنائك.
فقالت له: أنت الخير والبركة يا بابا، ربنا يطول لنا في عمرك.
Unknown page