180

Ḥadīth ʿĪsā b. Hishām

حديث عيسى بن هشام

Genres

وترفل منه في حلل الثبات

فتصبح أنت خير أب كريم

وتصبح تلك خير الأمهات

ودمتم بعد ذاك بألف خير

ونعمى بالبنين وبالبنات

ولولا الاختصار وضيق وقت

لجئت بألف بيت شاهقات

ثم انتهينا بحمد الله من الشاعر بعد الخطيب، وعاد المغنون إلى اللحن والتطريب، فأخذت أجيل النظر وأقلب الطرف، من ركن إلى ركن ومن صف إلى صف، فلم أجد في الحاضرين بلا استثناء من هو ملتفت إلى سماع الغناء، بل رأيتهم يوجهون النظر إلى السماء ، ويكثرون من الإشارة والإيماء، كمن يتضرع بالدعاء، لكشف المحنة والبلاء، فرفعت مثلهم نحو السماء بصري، فدهيت من حيث أدري ولا أدري؛ إذ رأيت نوافذ الدار، مهتوكة الأستار، وفي كل نافذة هيفاء مسفرة النقاب، كالدمية في المحراب، أو كالصورة تتألق في إطارها كالشهاب، أو كالبدر بدا مسفرا من خلل السحاب، تنفذ منها مثل خيوط الغزالة

9

للمغازلة، وتجرد من اللحظات مثل سيوف الكماة للمنازلة، فتصيد طيور القلوب الحوائم، وتفتك بمهج النفوس الروائم، ثم تراها تومئ بكأس الصهباء، إلى شفتها الحمراء، وتلمس واسطة العقد، بزهرة من الورد، فيشتبه على الرائي وجه الأمر، باختلاف اليواقيت كالجمر، ياقوتة الخمر، بياقوتة الثغر، وياقوتة الزهر، بياقوتة النحر، ثم لا تفتأ ترسل الإشارة تلو الإشارة، تارة بالمروحة وأخرى «بالسجارة»، مع ابتسامات توضح عن مكنون الصدور، وتفصح إفصاح المعاني في السطور، والرجال من تحتهن يجاوبونهن على أعين النظار، طورا بإشارات الأيدي وطورا بلغة الأزهار، وكل مغازل فيهم يعتقد أنه امتاز على سواه، وتغلب على أهل النوافذ بهواه، وأضرم فيهن نار العشق وجواه، وخلع قلوبهن بدعواه، وما بالنوافذ سوى أزواجهم وبناتهم، أو أخواتهم وبنات أخواتهم، والمغني يستقبل وجوههن في هذه الأثناء، بوجه ليس فيه أدنى حياء، فيغنيهن من الأصوات والألحان، ما يثير من الغرام ويهيج من الأشجان، والخصيان يصعدون إلى الحرم بأوراق وينزلون منه بأوراق يتخيرن فيها الأدوار السائرة على ألسنة العشاق، في وصف حرارة الأشواق، ومرارة البعد والفراق، وما زالت الحال تتزايد قحة ووقاحة، وتتضاعف هتكا وفضاحة، حتى قام في وسط المكان جماعة من الأصحاب، يتقاذفون بألفاظ القذف والسباب.

Unknown page