تقرير الطبيب
دخل الشيخ حمادة الطيب إلى ساحة داره ونادى في حزم: محمود، يا محمود.
وسرعان ما جاء محمود يجيب نداء أبيه: نعم يابا. - تجهز للسفر. - ماذا يابا؟! - سنسافر باكر لمصر لأشتري لك ملابس الأزهر، وأشوف لك مكانا تسكن فيه. - باكر يابا؟ - نعم باكر.
ووجم محمود لحظات وقال الأب وقد أوشك صبره أن ينفد: ما لك؟ ألم تكن تعرف أنك ستسافر؟ - يا بابا أنا لا أريد أن أسافر. - لماذا يا ولد؟ - يابا، يابا. أنا لا أريد أن أسافر. - ستسافر غصبا عنك.
وأطرق محمود إلى الأرض، ودون أن يحس تسللت دمعات من عينيه، جاهد أن يخفيها، فتأبت عليه وراحت تسيل، ودخلت أمه وهالها أن ترى وحيدها يبكي هذا البكاء الصامت العميق، فدقت صدرها وقالت: ماذا يا أبا محمود؟ ماذا فعلت للولد؟ - أريده أن يسافر إلى الأزهر. - وما له يا محمود، ولماذا لا تريد أن تسافر؟
وراحت تربت ظهره في حنان. - يا أم أريد أن أبقى هنا. - لماذا يا بني؟ العلام حلو. - يا أم أريد أن أبقى مع ...
ولم يكمل الجملة واستحثه أبوه في صوت يجمع الحنان إلى الحزم: مع من يا ولد؟
ودون ريث تفكير انطلق محمود قائلا: مع صاحبي عبد الواحد.
وقال الأب في غضب فقد كان يرجو أن يرغب ابنه في البقاء معه هو أو مع أمه على الأقل: مع من يا ولد؟! - مع صاحبي عبد الواحد. - عبد الواحد ابن الشيخ سالم؟ - نعم.
وكثرت الدموع حتى أصبح الصمت لا يسعها، فإذا محمود ينشق عن بكاء علني من العبث أن يحاول إخفاءه، وراح الحاج حمادة يضرب كفا بكف، وخرج وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله.
Unknown page