والياسمين وشجر البرتقال والليمون والأشجار العطرة الطيبة الرائحة التي لا تعرف بلادنا مثلها.
وبينما يقضي السائح العجب من تلك العجائب، فيقول في نفسه: إن ملائكة رواية ألف ليلة وليلة لا تستطيع أن تبدع ما هو أروع منها، يسمع ألوف الصنوج تدق إيذانا بمجيء الملك، ويرى أنه يخرج من باب القصر الهائل جمع كبير من الخدم المتسربلين بسرابيل براقة، ومن الجنود المدججين بالسلاح اللامع، ومن العبيد السمر ذوي الخلاخل الفضية، والحاملين للمحامل الزاهية ذات المظلات المخملية، ويرى، في وسط موكب من فرسان الهندوس والفرس والتركمان الحاملين سيوف الهند المرهفة، ومن أكابر الأمراء والأعيان اللابسين أفخر الثياب المطرزة بالذهب والفضة والحجارة الكريمة، صاحب الجلالة الملك الراكب فيلا ضخما متزن الخطا، والذي تظلله مظلة من الحرير المطرز بالألماس والزمرد، ويرى الجمهور وهو يخر ساجدا لذلك الملك المطلق الذي هو سيد الهند، وظل الله الحي المرهوب في الأرض، والمالك لخمس عشرة مملكة، والذي هو ملك أغرا ودهلي وكابل ولاهور وكجرات ومالوا وبنغال وأجمير، ويرى على جوانبه فريقا من حاشية الملك يحرك مراوح من ريش الطاووس ذوات أهداب مرصعة بالحجارة الكريمة على حين تلقي الشمس أشعتها الذهبية على ذلك الموكب الملكي الشرقي الباهر.
هوامش
الفصل الرابع
العرب في مصر
(1) حال مصر حين الفتح العربي
درس شأن العرب في مصر ذو فائدة عظيمة، فمصر من البلدان التي طالت إقامة العرب بها، وهي من البلدان التي أنشأوا فيها دولة مهمة، وهي من البلدان التي كان تأثيرهم فيها أعظم مما في أي بلد آخر ، ولا شيء يستوقف النظر كحفدة قدماء المصريين الذين قاوموا نفوذ الأغارقة والرومان على الخصوص، ثم اعتنقوا دين العرب ولغة العرب وحضارة العرب الغالبين، وصاروا عربا خالصي العروبة، وفي فارس والهند امتزجت حضارة العرب بالحضارة السابقة، وفي مصر توارت أمام حضارة أتباع النبي الجديدة حضارة الفراعنة القديمة وحضارة اليونان والرومان التي تنضدت فوقها في قليل من المدن.
وتثبت دراسة آثار العرب الماثلة في مصر أن ذلك الاستبدال كان تاما، والعرب لم يقتبسوا شيئا من المباني القديمة الكثيرة التي وجدوها في أنحاء القطر المصري.
شكل 4-1: من عرب وادي النيل (مصر العليا، من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).
وتنطوي دراسة العرب في مصر على فائدة عظيمة من الناحية الإثنوغرافية، وقد ذكرنا في فصل سابق أنه لم ينشأ عن توالد العرب والمصريين عرق جديد وسط بين العرقين، وأن المصريين الذين صاروا عربا باللغة والدين والحضارة لم يصيروا عربا بدمائهم، فالشبه الوثيق بين فلاحي شواطئ النيل المعاصرين ووجوه أجدادهم المنقوشة على آثار العصر الفرعوني يدل على أن دم القدماء لا يزال يجري في عروق أهل مصر.
Unknown page