Hadarat Carab Fi Andalus
حضارة العرب في الأندلس: رسائل تاريخية في قالب خيالي بديع
Genres
البراكين في صقلية والجزائر المجاورة لها وما قاله فلاسفة الإسلام في ذلك
قال أبو عبد الله ما ملخصه: من المعلوم الذي لا خفاء به أن هذه الكرة الأرضية السابحة في الفضاء
117
بجملتها وأجزائها، ظاهرها وباطنها، طبقات ساف فوق ساف، مختلفة التركيب والخلقة، فمنها صخور وجبال صلبة، وأحجار وجلاميد صلدة، ورمال جريشة، وطين رخو، وتراب لين وسباخ وشورج، بعضها مختلط ببعض أو متجاورة، كما قال الله جل شأنه:
وفي الأرض قطع متجاورات ، وهي مختلفة الألوان والطعوم والروائح، فمن ترابها وأحجارها وأجبالها حمر وبيض وسود وخضر وزرق وصفر، كما قال جل ثناؤه:
ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ، وهي مع ذلك كثيرة التخلخل والثقب والتجاويف والعروق والجداول والأنهار، داخلها وخارجها، كثيرة الأهوية والمغارات والكهوف، وفيها من أنواع المعادن السائلة والجامدة ما لا يحصى كثرة.
وهذه الأهوية والأمواه إذا حمي جوف الأرض بتأثير الشمس فيه كتأثير القمر في مد البحر وجزره؛ سخنت تلك الأمواه ولطفت وتحللت وصارت بخارا، وارتفعت وطلبت مكانا أوسع، فإن تكن الأرض كثيرة التخلخل تحللت وخرجت تلك البخارات من تلك النوافذ، وإن يكن ظاهر الأرض شديد التكاثف حصيفا منعها من الخروج وبقيت محتبسة تتموج في تلك الأهوية لطلب الخروج، وربما انشقت الأرض في موقع منها وخرجت تلك الرياح مفاجأة، وانخسف مكانها، ويسمع لها دوي وهدة وزلزلة، وإن لم تجد لها مخرجا بقيت هناك محتبسة، وتدوم تلك الزلزلة إلى أن يبرد جو تلك المغارات والأهوية، ويغلظ وتتكاثف تلك البخارات وتجتمع أجزاؤها، وتستحيل إلى ماء، وتخر راجعة إلى قاع تلك الكهوف والمغارات، وتمكث زمانا، وكلما طال وقوفها ازدادت صفاء وغلظا، حتى تصير زئبقا رجراجا وتختلط بتربة تلك المعادن وتتحد بها، وقد تستحيل إلى كبريت أو نفط أو غيرهما حسب اختلاف ترب البقاع، فيكون من ذلك ضروب من الجواهر المعدنية المختلفة الطبائع.
قلنا: إن في الجبال جبالا، وفي الأرض أرضين بجوفها كهوف ومغارات وأهوية حارة ملتهبة، فهذه الكهوف قد تجري إليها مياه كبريتية أو نفطية دهنية، فتكون مادة لها دائما، فإذا اختنقت هذه المواد بفعل الحرارة ذهبت صعدا تطلب الخلاص؛ فقد تكون هذه المواد دخانا صرفا كما هي حال هذين البركانين في هاتين الجزيرتين. وهذا الدخان يخرج بقوة شديدة حتى لقد يقذف فيه الحجر الكبير فترده ردا قويا، وقد تكون هذه المواد أحجارا محترقة ومواد أخرى كبريتية ونفطية نارية تخرج كالسيل العرم، فلا تمر بشيء إلا أحرقته، كما يكون من جبل النار الذي في الجزيرة نفسها. وترى هذا الجبل يرمي فيما يرمي بجمر كبير كأعدال القطن يقطع بعضه في البر، فيصير حجرا أبيض خفيفا يطفو على وجه الماء لخفته، والذي يقع في البحر يصير حجرا أسود مثقبا تحك به الأرجل في الحمامات، وهو كذلك لخفته يطفو على الماء.
ومن غريب الأمر أنه إذا وقع هذا الجمر على حجر احترق ذلك الحجر واشتعل كما يشتعل القطن، حتى يصير ذلك الحجر غبارا كالكحل. أما الحشيش وسائر ضروب النبات فلا تحترق ولا يحترق إلا الحجارة والحيوان، فكأنها نار جهنم التي وقودها الناس والحجارة.
118
Unknown page