113

Ḥadāʾiq al-Anwār wa-maṭāliʿ al-Asrār fī sīrat al-Nabī al-Mukhtār

حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار

Editor

محمد غسان نصوح عزقول

Publisher

دار المنهاج

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٩ هـ

Publisher Location

جدة

بحقيقة النّبوّة من لم يذق شيئا من سلوك طريق أهل الله تعالى، وأولياء الله تعالى، برياضة الأنفس وتزكيتها، وتصفية القلوب، وتهذيب الأخلاق.
لأنّ كرامات الأولياء على التّحقيق بدايات الأنبياء، وقد كان ذلك أوّل حال نبيّنا ﷺ، حيث كان يتعبّد في (حراء)، وكان يؤثر العزلة للخلوة بربّه، والتّجرّد والتّبتّل؛ وهو الانقطاع عن الخلائق إلى الخالق، وهو الذّهاب إلى الله تعالى، الّذي أشار إليه الخليل ﵊ بقوله: وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ [سورة الصّافّات ٣٧/ ٩٩] .
فمن مارس تلك الطّريق اتّضح له طرف من حقيقة النّبوّة، ما هي وخاصّيّتها بالكشف والعيان، ومن لم يبلغ هذه الرّتبة فلا بدّ له من التّنبيه على أصلها وإمكانها، ثمّ وجودها عموما، ثمّ لشخص معيّن، بإقامة البرهان، لشدّة مسيس الحاجة إليها.
وأمّا دليل أصلها: فكلّ عاقل قاطع بأنّ الإنسان أوّل ما يدرك من مراتب العلم في صغره/ وطفوليّته العلم بالحواسّ الخمس، الّتي هي. السّمع، والبصر، والشّمّ، والذّوق، واللّمس.
فيدرك بكلّ واحدة من هذه عالما لا يدركه بالآخرى، ومن تعطّلت عليه حاسّة منها- كالبصر مثلا- لم يدرك ما حقيقة الألوان، إلّا بسماعها بالتّواتر، فإنكاره لها مكابرة جاهل بما لم يعلم، وتكذيب بما لم يحط بعلمه، وقد أحاط به غيره، فيحتجّ عليه المبصر بأنّ عندك حاسّة الشّمّ وزيد أخشم «١» لا يفرّق بين رائحة المسك والجيفة، فماذا نقول له لو زعم التّسوية بين المسك والجيفة؟

(١) الأخشم: من أصابه داء في أنفه فأفسده، فصار لا يشمّ.

1 / 124